الجملتين ، وأرجحها ما قاله الطبرسي والرازي ، ويتلخص ـ مع شيء من التصرف بقصد التوضيح ـ بان المراد من قوله : (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ) ان القرآن متضمن للحق ، والمراد من (وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) ان الله أراد من نزول القرآن أن يؤمن ويعمل به الناس ، وقد حصل ذلك ووقع ، حيث آمن به المسلمون ، وعمل به المخلصون منهم.
ونحن مع الرازي والطبرسي في تفسير الجملة الأولى ، أما الجملة الثانية فالذي نراه في تفسيرها ان كل ما كان عليه الناس قبل انزال القرآن ، وما يكونون عليه بعد انزاله فان القرآن يقرهم عليه إذا كان حقا وخيرا وصلاحا ، وبكلام آخر : ان الله سبحانه بعد ان قال في الجملة الأولى : نزل القرآن بالحق والخير والصلاح قال في الجملة الثانية : ويقر القرآن ايضا كل ما هو حق وخير وصلاح من أي كان ويكون تقدم على نزول القرآن أو تأخر عنه. وفي هذا المعنى قوله تعالى : (وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) ـ ١٧ الرعد. وقوله : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) ـ ١٨٥ البقرة. وقال الامام جعفر الصادق (ع) : كل ما فيه صلاح للناس بجهة من الجهات فهو جائز.
(وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً). تبشر بالجنة من أطاع ، وتنذر بالنار من عصى ، ومن شاء بعد ذلك فليؤمن ، ومن شاء فليكفر : (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) ـ ١١٧ الأنعام.
(وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً) لم ينزل القرآن على محمد (ص) جملة واحدة ، بل نزل نجوما يتابع أحيانا ، ويبطئ أحيانا اخرى حسب المصالح والوقائع التي تحدث آنا بعد آن ، أما قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) فمعناه ان ابتداء النزول كان في هذه الليلة ، ثم استمر الى وفاة الرسول الأعظم (ص) .. وكان بين أول نزوله وآخره ثلاثة وعشرون عاما ، وقد بين سبحانه الغاية من ذلك بقوله : (لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ)