وربما يقال : إنهم إنما عبروا عنه بالتوحيد مجاراة للمتكلمين الذين يعبرون عن التوحيد القولي بالتوحيد ، وهو ليس بتوحيد.
فإننا نقول : إن المتكلمين لا يرون ـ بأي حال من الأحوال ـ أن شرك المشركين توحيد ، ذلك لأن التوحيد عندهم يعني وحدانية الإله ، والشرك يعني تعدد الإله.
٢ ـ وفي ضوء المنهج السلفي في فهم معنى النص الملزم بعدم التأويل والتقدير وعدم الحمل على المجاز ، يمكننا أن نلاحظ عليهم مفارقة تعبيرية أخرى ، هي : تعبيرهم عن توحيد المعبود بتوحيد العبادة.
ذلك أن العبادة في الإسلام غير واحدة ، وإنما متعددة الافراد والجزئيات فمنها الصلاة والصوم والزكاة والحج ... وإلى آخره ، وهذا مما لا خفاء فيه.
والذي نص عليه القرآن الكريم ودعا إلى توحيده ليس العبادة ، بل الإله المعبود ، وفرق بين العبادة والمعبود.
٣ ـ وشئ آخر من المفارقات في الفكرة ، أنهم قالوا : إن الصلاة تجاه القبر ـ بمعنى أن يكون القبر أمام المصلي ، ويتأتى هذا إذا كان القبر في جهة القبلة ووقف المصلي خلفه ـ هي عبادة للقبر أو لصاحب القبر ، كما هو مفاد نص الشيخ ابن تيمية المتقدم.
ووجه المفارقة : أن الكل يدرك أن هناك فرقا بين الصلاة للقبر أو لصاحب القبر وبين الصلاة في مكان خلف القبر.
ولنأخذ مثالا لهذا : مسجد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في المدينة المنورة ، وهو ـ كما يعلم الكل ـ محيط بالحجرة الشريفة التي فيها قبر النبي صلىاللهعليهوآله وسلم وقبرا صاحبيه أبي بكر وعمر ، فإن من يصلي فيه ـ وهو متجه إلى القبلة ـ في مكان خلف الحجرة الشريفة بحيث يكون قبر الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أو قبر أحد الشيخين أمامه ، هل يجوز أن يقال له : إن صلاته كانت لرسول الله أو لأبي بكر أو لعمر أو لقبورهم ، ولم تكن لله؟!