الذي يعتمد عليه مطلقا ومن غير تثبت وهو خبر الثقة ، لأن الله سبحانه أناط الاعتماد على خبر الفاسق بالتبين والتثبت ، ولم يتعرض لخبر الثقة ، ومعنى هذا ان العمل بخبر الثقة لا يجب فيه التثبت ، ولو وجب لبيّن واشترط التثبت فيه تماما كما اشترطه في خبر الفاسق ، وحيث لا بيان فلا شرط.
وفي رأينا ان قوله تعالى : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) لا يدل إلا على وجوب التثبت من خبر الفاسق ، وان هذا الشرط لا بد منه قبل العمل بخبر الفاسق ، ولا دلالة للآية على هذا الشرط بالنسبة الى خبر الثقة ، لا نفيا ولا اثباتا ... ونحن مع القائلين بأن السند الأول للأخذ بخبر الثقة هو طريقة العقلاء قديما وحديثا ، وسكوت الشارع عنها ، وهي بمرأى منه ومسمع ... أجل ، ان قوله تعالى : (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) يومئ الى ان أي خبر نأمن معه من الوقوع في الشبهات والمحرمات يجوز العمل به أيا كان المخبر ... وبالبداهة لا نكون آمنين من ذلك إلا بالاعتماد على قول الثقة ، أو بعد التثبت من خبر الفاسق.
(وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (٧) فَضْلاً مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٨))
اللغة :
عنتم أصابكم تعب ومشقة. والمراد بالفسوق هنا القول المحرم كالكذب والغيبة أما العصيان فيشمل معصية الله بالقول والفعل.