(قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ). والكتاب الحفيظ كناية عن انه تعالى أحاط بكل شيء علما .. وهذه الآية جواب عن شبهة أوردها منكرو البعث ، وتوضيحها ان جسم الإنسان بعد الموت تأكله الأرض ، ويصبح بعض ذراتها المنتشرة في شرقها وغربها ، فكيف تجمع وتعاد الى ما كانت عليه؟ فأجاب سبحانه عن ذلك بأنه يعلم ان الأرض تأكل جسم الميت وان أجزاءه تنتشر في شرقها وغربها ، ومع هذا فهو قادر على جمعها وإعادتها الى الحياة.
وتعرف هذه الشبهة عند الفلاسفة وعلماء الكلام بشبهة الآكل والمأكول .. وقد ذكرها الملا صدرا في المجلد الرابع من أسفاره ، وقال : «احتج من أنكر البعث بأنه «إن أكل الإنسان إنسانا فالأجزاء المأكولة ان أعيدت في بدن الآكل لم يكن الإنسان المأكول معادا ، وان أعيدت في بدن المأكول لم يكن الآكل معادا ، ولزم أن تكون الأجزاء المأكولة بعينها منعمة ومعذبة إذا أكل مؤمن كافرا .. وأجيب عن ذلك في الكتب الكلامية بأن المعاد هو الأجزاء التي منها ابتداء الخلق وهي الأعضاء الأصلية عندهم ، والله يحفظها ، ولا يجعلها جزءا لبدن آخر».
ثم قال صاحب الأسفار ما معناه : ان هذا الجواب لا يفي بالغرض ، والحق ان كل ما هو ممكن في نظر العقل ، ودل عليه الوحي يجب الايمان به ، والبعث ممكن عقلا ، وثابت وحيا ، فوجب التصديق والايمان ، أما أقيسة الفلاسفة وأهل المنطق فما هي بمعصومة عن الخطأ. هذا ما قاله صاحب الأسفار ، وهو الذي اعتمدنا عليه ، وذكرناه مرارا فيما تقدم .. وحاول بعض الشيوخ أن يثبت البعث الجسماني بحكم العقل مع صرف النظر عن الوحي ، ولكنه لم يأت إلا بالتكلف والتمحل.
(بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ). المراد بالحق هنا القرآن ، وبالمريج المختلط المضطرب ، وقد وصف به سبحانه حال الذين قالوا عن رسول الله (ص) : انه مجنون ، وتارة انه ساحر ، وأخرى انه كاهن ، وحينا انه شاعر .. وهكذا يخبط في التيه كل من حاد عن جادة الحق.