وقلنا يصح هذا التفسير لأنه يلتقي مع التفسير الأول الذي دل عليه ظاهر الآية ، ونتيجتهما واحدة.
وتسأل : ان الله غني بعلمه وحفظه عن الرقابة والرقباء والكتابة والكاتبين ، فما هو القصد من اقامة الرقباء؟.
الجواب : القصد أن يجابه سبحانه المجرمين بما لا يجدون لإنكاره حيلة ولا وسيلة .. وتومئ الآية من بعيد الى ان القاضي لا يجوز أن يقضي بعلمه. أنظر تفسير الآية ٢٠ من سورة فصلت ج ٦ ص ٤٨٥.
(وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ). سكرة الموت غمرته وشدته ، وقوله تعالى بالحق يومئ الى انه عند نزول الموت تنكشف الحقيقة للمحتضر ، ويعلم علم اليقين ان البعث حق لا ريب فيه ، وذلك اشارة الى البعث ، والخطاب في كنت لمن أنكر البعث ، وضمير منه يعود الى البعث ، والمراد بتحيد تنكر ، والمعنى يقال لمن أنكر البعث حين ينزل به الموت : هذا هو البعث الذي كنت تنكره ، ومثله : (هذا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) ـ ٢١ الصافات. (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ). يشير سبحانه بهذه النفخة الى يوم القيامة : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) ـ ٥١ يس. (وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ). سائق يسوقها الى محشرها ، وشاهد يشهد عليها بعملها (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ). هذا اشارة الى يوم الحساب والجزاء ، أما البصر الحديد فالمراد به ان الحقيقة تتجلى عند الموت وبعده لمنكر البعث فيعرف ما أنكر وينكر ما عرف ، والمعنى يقال غدا للجاحد : أيها الشقي كفرت بهذا اليوم ، واتبعت أهواءك ، وذهلت عما يراد بك ، وقد انزاحت الأباطيل عنك الآن ، وعرفت الحقيقة ، ولكن حيث لا مهرب من عذاب الحريق.
(وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ (٢٣) أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (٢٤)