(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ). هذا على طريقة القرآن ، يقرن جزاء من أساء بثواب من أحسن .. هناك الشدائد والآلام ، وهنا النعيم والجنان ، وقوله تعالى : (غَيْرَ بَعِيدٍ) تأكيد لكلمة أزلفت لأنها بمعنى اقتربت ، والمراد بقرب الجنة من المتقين انهم لها ، وهي لهم (هذا ما تُوعَدُونَ). لقد عملتم ايها المتقون على موعود من الله ، والله منجز وعده ، فإليكم هذا النعيم الذي لا يحده وصف ، ولا يبلغه عقل.
(لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ). هذه الصفات الأربع علامات تدل على المتقين ، فمن علامة أحدهم انه تواب يبتعد عن المعصية خوفا من الله ، ويحافظ على الطاعة أملا بثواب الله ، وهو في إيمانه وإخلاصه على سبيل واحد ، سواء أكان غائبا عن الناس أم حاضرا بينهم ، على عكس المرائي الذي يكسل إذا كان وحده ، وينشط أمام الناس ، وهذا المتقي هو الذي يلقى الله سبحانه بقلب منيب سليم. وبكلام آخر للإمام علي (ع) يصف به من اتقى وأتى الله بقلب سليم : «أطاع من يهديه وتجنب من يرديه ، وأصاب سبيل السلامة ببصر من بصّره وطاعة هاد أمره ، وبادر الى الهدى قبل أن تغلق أبوابه وتقطع أسبابه».
(ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ). أنتم أيها المتقون في جنة «لا ينقطع نعيمها ، ولا يظعن مقيمها ، ولا يهرم خالدها ، ولا يبأس ساكنها» ... ولكم على الدوام فوق ما تشتهون وتقترحون.
وبعد ، فإن هذا التفاوت الهائل بين الجنة والنار يكشف كشفا قاطعا عن مدى البعد والتفاوت بين درجات المتقين والمجرمين ، وان الفرق بين منازلهم عند الله تعالى تماما كالفرق بين الجنة والنار.
(وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى