والمعنى المحصل ان رسول الله (ص) رأى جبريل مرتين كما خلقه الله : المرة الأولى هي المشار اليها بقوله سبحانه : (فَاسْتَوى وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى) الخ وتقدم الكلام عنها. والمرة الثانية كانت في ليلة المعراج حيث طاف جبريل في السماء بالنبي (ص) حتى بلغ به مكان الانتهاء والحد الأقصى الذي لا يتجاوزه مخلوق كائنا من كان .. هذا كل ما دل عليه ظاهر اللفظ أو ما فهمنا نحن من الظاهر ، وما عداه فهو ـ في رأينا ـ من الغيب المحجوب.
(إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى). يغشى فعل يكون بمعنى يغطي ، وبمعنى يأتي ، تقول : يغشى فلان فلانا أي يأتيه ، وتفسير الآية يصح بالمعنيين لأن المراد انه يوجد عند سدرة المنتهى عجائب من آثار قدرة الله وعظمته ما لا يبلغه وصف ولا يحده عقل ، ولذا أبهم سبحانه ، وترك التفصيل (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى) .. كلا ، ما حاد بصر النبي (ص) عن الواقع ولا تجاوز عنه ، وكل ما رآه في جبريل وفي السماء ليلة المعراج هو حق وصدق (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى). ورؤية الآيات التي شاهدها الرسول في معراجه هي فوق الحساب وفوق الزمان والمكان .. ومستحيل أن يراها انسان إلا بقدرة الله ومشيئته. وتكلمنا عن الإسراء والمعراج عند تفسير الآية ١ من سورة الإسراء ج ٥ ص ٨ فقرة : «الإسراء بالروح والجسد».
(أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (٢٠) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (٢١) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى (٢٢) إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى (٢٣) أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى (٢٤) فَلِلَّهِ