فهو فحش كالزنا واللواط ، وذنب كبير أيضا ، أما اللمم فهي صغار الذنوب التي لا يكاد يخلو منها إنسان إلا من عصم الله كالنظرة ومجرد الجلوس الى مائدة الخمر. وتكلمنا عن ذلك مفصلا عند تفسير الآية ٣١ من سورة النساء ج ٢ ص ٣٠٦. ومعنى الآية ان من أقلع عن الكبائر فإن الله سبحانه يشمله بعفوه وإحسانه ، وان اقترف بعض الصغائر .. وليس معنى هذا ان للإنسان أن يقترف الصغائر .. كلا ، وإلا كانت من المباحات ، وانما المراد ان من اجتنب الكبائر فله أن يأمل العفو والصفح من ربه وان ارتكب بعض الهنات ، وإلا كانت الجنة وقفا على أهل العصمة دون غيرهم. وفي نهج البلاغة : أشد الذنوب ما استهان به صاحبه .. وان يستعظم الإنسان من معصية غيره ما يستقل أكثر منه من نفسه ، ويستكثر من طاعته ما يحقر من طاعة غيره.
(هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى). أجل ، ان الله أعلم بالإنسان من نفسه بالغا ما بلغ من العلم .. ومستحيل أن يعلم من نفسه ما يعلمه الله منه ، لأنه تعالى هو الذي أوجده وأحياه ، ويميته وينشره ، وهو معه بعلمه منذ تكوينه في بطن أمه الى النفس الأخير .. يضاف الى ذلك ان جميع جوارح الإنسان حتى قلبه هي شهود عليه عند خالقه. وأصدق شاهد ينطق بتزكية الإنسان وإخلاصه هو عمله الصالح. وتقدم مثله في الآية ٤٩ من سورة النساء ج ٢ ص ٣٤٦ والآية ٢١ من سورة النور ج ٥ ص ٤٠٩.
(أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (٣٣) وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى (٣٤) أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى (٣٥) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى (٣٦) وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧) أَلاَّ تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (٣٨) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعى (٣٩) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى (٤٠) ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى (٤١))