ذكر سبحانه انه أنزلها في صحف موسى وابراهيم ، والمراد بالمنتهى موقف الإنسان بين يدي الله لنقاش الحساب الذي لا منجى منه (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى). الضحك اشارة الى فرح أهل الجنة ، والبكاء الى ترح أهل النار ، ومن الجائز أن يكونا إشارة الى ما أودعه الله في الإنسان من غريزة اللذة والألم والحزن والفرح ، وقد ذهب جماعة من الفلاسفة الى أن الإنسان لا يتحرك إلا بتأثير من جذب اللذة كالجنس أو من خوف الألم كالجوع.
(وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا). هو سبحانه يهب الحياة ويأخذها ، أما قول من قال : ان المادة أصل الحياة وسببها فهو مجرد ادعاء تكذبه بديهة العقل لأن المادة لا تتحرك بطبيعتها بل بعلة مغايرة لها ، وأي عاقل يقبل القول بأن المادة الصماء أنشأت بنفسها لنفسها أبصارا وأسماعا وأفئدة ، وإذا كانت الحياة صفة تلازم المادة فلما ذا ظهر النمو والحركة والحس والتفكير في بعضها دون بعض؟. وان قال قائل : ان لبعض أفراد المادة استعدادا للحياة دون بعض قلنا في جوابه : من أين جاءت هذه التفرقة؟ هل جاءت من داخل المادة أو خارجها. فإن كانت من الداخل وجب أن تكون كل مادة صالحة لاستقبال الحياة ، وإلا لزم أن يكون الشيء الواحد سببا لوجود الشيء وعدمه في آن واحد ، وان جاءت بسبب خارج عن المادة فهو الذي نقول.
(وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى). يريق الذكر منيه في رحم الأنثى فيتم التلقيح ، ويتكون الجنين ذكرا أو أنثى ، فمن الذي أوجد الاستعداد في الجسم لهذه النطفة؟ ومن الذي أوجد فيها ملايين الخلايا الحية؟ وهل يستطيع العلماء أن يصنعوا خلية واحدة يتكون منها ذكر أو أنثى؟ بل هل يستطيعون أن يميزوا بين الخلية التي يتكون منها الذكر والتي تتكون منها الأنثى؟ وإذا استندت النطفة الى أسباب طبيعية فإن هذه الأسباب تنتهي الى السبب الأول الذي أوجد الطبيعة (وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى). ضمير عليه يعود الى الله تعالى ، والمعنى ان البعث حتم لا بد منه (وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى). انه سبحانه كفى بعض عباده