وانتصر لدينك ورسولك .. وتجدر الاشارة الى أن نوحا ما دعا على قومه إلا بعد اليأس من هدايتهم ، فلقد لبث يدعوهم بلا جدوى ألف سنة إلا خمسين عاما كما جاء في الآية ١٤ من سورة العنكبوت (فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً). دعا نوح على قومه ، فاستجاب الله لدعوته ، وأغرقهم بماء تدفق من السماء ، وتفجر من الأرض (فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ). التقى الماء المتدفق من السماء مع الماء المتفجر من الأرض ، فكان بحرا عظيما أتى على كل شيء ، وما سلم إلا من كان في السفينة. وكان هذا الطوفان والإهلاك بأمر الله وقدره ، فقوله تعالى : (عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) في معنى قوله تعالى : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) ـ ٣٨ ـ الأحزاب.
(وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ). ضمير حملناه يعود الى نوح. والألواح الأخشاب ، ودسر مسامير ، والمعنى ان سفينة نوح كانت عادة كغيرها مصنوعة من الخشب والمسامير ولكنها (تَجْرِي بِأَعْيُنِنا) بحفظ الله وحراسته ، ولهذا نجت من المخاطر وإلا ما استطاعت الصمود لأهوال الطوفان (جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ). وكلمة الجزاء تشير الى السبب الموجب للطوفان وإهلاك من هلك به من الكافرين.
(وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ). أي ترك سبحانه أخبار سفينة نوح لتكون عظة لمن يتعظ بالعبر ، وينتفع بالنذر (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ). حقا كان الطوفان مدمرا ، أما نوح البشير النذير فقد كان صادقا فيما بلّغ وأنذر. (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ). أنزل سبحانه القرآن للتذكير والاتعاظ ، ويسر معانيه على الافهام لينتفعوا به ، لا ليتغنوا بكلماته أو يتداووا بآياته او يحرفوها ويشتروا بها ثمنا قليلا (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)؟ هل يعتبر ويتعظ بما جاء في القرآن الجاحدون والذين يتاجرون بالدين ويحرفون الكلم عن مواضعه تبعا لأهوائهم وأغراضهم. وتقدمت قصة نوح في سورة هود وغيرها.
(كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٨) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ