(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ). وفي آية ثانية : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) ـ ٢ الفرقان. وفي ثالثة : (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ) ـ ٨ الرعد. وفي رابعة : (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) ـ ٣ الأعلى. الى كثير من الآيات التي تدل على ان ما من كائن إلا وهو على مقدار معين من العناصر والصفات لا تزيد ولا تنقص عما ينبغي أن تكون ، وان كل ما فيه قد رتب ترتيبا دقيقا ومحكما ، ووضع في المكان المناسب لوظيفته ومهمته .... وإذا بحثنا عن السبب الموجب لذلك فلا نجد أي سبب يقبله العقل إلا ارادة الله التي هي وراء كل شيء. قال «كنت» : «ان الطبيعة كالعمل الفني ، واستدلالنا على مصدرها تماما كالاستدلال بالأثر الفني على مصدره».
وتسأل : ألا يجوز أن يكون هذا النظام من عمل الصدفة؟.
الجواب : ان الصدفة كاسمها .. مستحيل أن تتكرر ، وتفسير الحوادث بها تهرّب من حكم العقل والواقع ، ولذا قال العلماء : لا يلجأ الى الصدفة إلا عاجز .. هذا ، ولو صحت نظرية الصدفة لانهارت العلوم من الأساس لأن للعلم قواعد عامة ومطردة وإلا لم يكن علما ، على العكس من الصدفة التي لا تتعدى موضوعها الخاص ، وإلا لم تكن صدفة .. وإذا بطلت الصدفة بطل معها المذهب المادي القائل : ان المادة هي الأصل لكل شيء .. وأي عاقل يستسيغ القول بأن الكون وجد صدفة ، وكل ما فيه من قانون ونظام هو نتيجة الصدفة ، وان المادة خضعت للنظام بالصدفة .. وبهذا نجد تفسير قول الشاعر :
وفي كل شيء له آية |
|
تدل على انه واحد |
وقول من قال : «ليس بالإمكان أبدع مما كان» أي ان كل شيء قد وضع في المكان المناسب ولو حاد عنه قيد شعرة لاستبان فيه الخلل والنقص.
(وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ). هذا كناية عن ان الله سبحانه إذا أراد شيئا يوجد بالفعل وبمجرد أن يريد ، ولا يفتقر الى زمان على الإطلاق ، لا كلمح بالبصر أو أقرب ، وانما ذكر سبحانه لمح البصر لمجرد التقريب ..