العناية تفضلا منه وكرما ، ولما علم الإنسان بمكانته هذه عند الله أحس بكرامته ، وشعر بأنه لو لم يكن كريما لما اعتنى الله به هذه العناية .. وزاد تعظيما لله لأنه علم بأنه عظيم عند الله.
ونعطف على قول ابن عربي ان من أنكر وجود الله فقد أسقط نفسه عن كل اعتبار ، وتنكّر لذاته وكرامته من حيث لا يريد لأنه أساء لمن أوجده وكرّمه واستحق منه العذاب (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) ـ ٨٢ القصص.
(يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). المراد بالسؤال هنا الحاجة والافتقار ، والمعنى ان جميع الكائنات تفتقر اليه سبحانه في بقائها وفي جميع حالاتها كما تفتقر اليه في أصل وجودها ، وانه يمدها بالبقاء في كل لحظة بحيث لو تخلى عنها طرفة عين فما دونها لم تكن شيئا مذكورا (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ). المراد باليوم هنا الوقت من غير تحديد ، والمعنى ما من كائن إلا وينتقل من حال إلى حال على مدى الأيام ، ولذا قيل : دوام الحال من المحال ، والكائن في جميع حالاته مفتقر إلى الله تعالى ، فالقوي يفتقر اليه في بقاء قوته ، والضعيف مفتقر اليه لازالة ضعفه .. وليس معنى هذا ان يقعد الإنسان عن السعي والعمل تاركا الأمر إلى الله .. كلا ، فإن الله سبحانه قد أمر بالسعي وحث عليه وهو القائل : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) ـ ٣٩ النجم وإنما معناه ان يعمل الإنسان معتقدا ان وراءه قوة خفية تعينه على العمل وتمهد له سبيل النجاح (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)؟. أبما يمدكم به من العناية في كل آن أم بغيره من النعم؟.
(سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ (٣١) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٢) يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطانٍ (٣٣) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٤) يُرْسَلُ عَلَيْكُما