(فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ) المعنى واضح ومع هذا قال أحد المفسرين : أي تسرحان .. وقال آخر : أي تجريان بين الشجر .. وقال ثالث : اسم إحداهما التسنيم ، واسم الأخرى السلسبيل .. وقال رابع : تجريان لمن كانت عيناه تجريان بالدموع خوفا من الله .. ولا مصدر لهذه التفاسير إلا حرص أصحابها على الكلام .. ولما ذا يحرصون على الكلام؟ لأنهم مفسرون .. (فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ). للفاكهة الواحدة نوعان كالعنب والزبيب ، والتمر والرطب ، والتفاح السكري وغيره ـ مثلا ـ (مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ) وهو الحرير الغليظ (وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ). الجنى الثمر ، ودان قريب ، ومثله (قُطُوفُها دانِيَةٌ) ـ ٢٣ الحاقة. (فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ). قال صاحب البحر المحيط : «ضمير فيهن عائد الى الجنان الدال عليهن جنتان في الآية السابقة ، إذ كل فرد له جنتان ، فصح انها جنان كثيرة» أما ضمير قبلهم فيعود الى أزواج الحور ، وقاصرات الطرف صفة لموصوف مقدر ، وهو الحور ، والمعنى ان الحور لا ينظرن الى غير أزواجهن ، وأيضا هن أبكار كما خلقن (كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ) بهاء وجمالا.
(هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ). كل ما يراه الناس حسنا أو إحسانا فهو عند الله كذلك ، شريطة ان لا يأباه العقل السليم ولا ينهى عنه الشرع القويم ، وإلا فإن أهل الجاهلية كانوا يستحسنون عبادة الأصنام وظلم الضعيف بخاصة المرأة. حتى في عصرنا يستحسن الملايين عبادة الأصنام والإنسان ، ويجعلون لله أولادا وأندادا .. وما من شك ان هذه من أقبح العادات .. فإذا عمل الإنسان عملا ، ورآه الناس حسنا ، ولم يرد فيه نهي من العقل والشرع ـ فإن صاحبه يستحق من الله الأجر والكرامة ، ويزيده من فضله أضعافا على ما يستحق : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) ـ ٢٦ يونس.
وقال جماعة من علماء الكلام : ان الثواب من الله على فعل الواجب تفضل لا مكافأة فيه ولا استحقاق. وقال آخرون : بل هو مكافأة واستحقاق. وقال الإمام