يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ). قيل : المراد بالحنث العظيم الذنب العظيم ، وهو الشرك ، وغير بعيد ان يكون الحنث اشارة الى إصرارهم على الأيمان الكاذبة بأنه لا بعث ولا جزاء كما حكى سبحانه عنهم ذلك في الآية ٣٨ من سورة النحل : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ). وقسمهم هذا نتيجة لشركهم ، وعليه يصح تفسير الحنث العظيم بالشرك.
(وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ). قالوا ساخرين : أينقلب التراب إنسانا؟. ونسوا ان الله خلقهم من تراب ثم من نطفة (قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ). قل لهم يا محمد : أجل ، ان الله يجمع غدا الخلائق لنقاش الحساب ، وجزاء الأعمال ، ولو تركهم سدى بلا رادع ولا سائل لكان ظالما وعابثا .. تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا. وتقدم مثله مرارا ، منها في الآية ٥ من سورة الرعد ج ٤ ص ٣٧٨ والآية ٤٩ من سورة الإسراء والآية ٨١ من سورة المؤمنون.
(ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ). ضلوا عن طريق الهدى ، فكذبوا بالحق ، ونازعوا بالجهل ، فكان جزاؤهم ومصيرهم (لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ). ونعترف بأنّا نجهل حقيقة هذه الشجرة ، وما أكثر ما نجهل .. ولكنا على علم اليقين بأنها تشير الى سوء العذاب ، وقد شبه سبحانه طلعها برءوس الشياطين في الآية ٦٢ من سورة الصافات. انظر ج ٦ ص ٣٠٤ (فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ). طعامهم أمرّ من العلقم وأنتن من الجيف ، وشرابهم آجن ساخن (فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ) وهي الإبل المصابة بالاستسقاء أو داء العطش لا يرويها شيء (هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ). هذا اشارة الى حال أصحاب الشمال ، ويوم الدين يوم القيامة ، والنزل ما يعد للنازل من مأكل ومشرب ، وهو شر نزل طعاما وشرابا ولباسا وفراشا .. وفوق ذلك تغلّ الأيدي الى الأعناق ، وتقترن النواصي بالأقدام .. نعوذ بالله من سوء العاقبة والمصير.
(أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ (٥٨) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ