(إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ). أجل ، ان القرآن كريم يغني عن كل مرشد ودليل ، ويشفي من داء الجهل والضلال ، ويهدي الى منازل الكرامة والسلامة ، ويحرر من قيود الظلم والعبودية .. أما السر لأوصافه هذه وكثير غيرها فلأن القرآن الكريم يستجيب لكل حاجة من حاجات الحياة ، ويربط الدين بالعمل في الدنيا لحياة طيبة عادلة لا مشاكل فيها ولا عدوان .. حتى سعادة الآخرة لا ينالها إلا من أخلص وعمل صالحا .. أبدا لا طريق الى الله ، ولا الى النجاة من غضبه وعذابه إلا العمل النافع : (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) ـ ١٨ الرعد.
ومن هنا أجمع المسلمون قولا واحدا على ان الله سبحانه ما شرع ولن يشرع حكما إلا لخير الإنسان ومصلحته ، وانه من المستحيل أن يشرع حكما فيه ضرر على أحد أيا كان ، وانه إذا نسب الى شريعة القرآن حكم لا يتفق مع هذا المبدأ فهو من جهل الجاهلين أو دسائس الوضاعين ، أما الآيات الدالة على ذلك فتعد بالعشرات ، منها قوله تعالى على لسان نبيه شعيب : (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ) ـ ٨٨ هود وقوله : (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) ـ ٧ المائدة وقوله : (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) ـ ١٤٣ البقرة وقوله : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ـ ٣٠ الروم.
هذا هو الإسلام في حقيقته وواقعه ، وفي كتاب الله وعلمه ، لا شيء فيه إلا ما يحتاج اليه الإنسان ويطلبه بغريزته وفطرته النقية الصافية التي ولد عليها ، وتميز بها عن جميع الكائنات ، لا ما يتطلبه الطمع والجشع ، والبغي والعدوان .. وقد أدرك هذه الحقيقة الكثير من فلاسفة الغرب وشعرائه وأدبائه ، فأكبروا الإسلام وأشادوا بالرسول الأعظم (ص) لا لشيء إلا بدافع من حب الخير والحق والعدل ، ولو اتسع لنا المقام لذكرنا الكثير من أقوالهم ، ولكن ما لا يدرك كله أو جله فلا يترك كله ، ونختار من بين أولئك الأعلام : «جوته» الألماني و «لامرتين»