بدلائل الله وآلائه ، وهزأوا بالحق وأهله ، ولما كان بنو إسرائيل أصدق مثل لهذه الأوصاف عقب سبحانه بذكرهم وبما هم عليه من الجحود والآثام ، مع ان الله قد أمد لهم وأنعم عليهم بالتوراة والإنجيل اللذين أشار اليهما بكلمة الكتاب ، وأفهمهم ما فيهما من المواعظ والأحكام ، وهذا هو المراد من الحكم ، وجعل منهم أنبياء ، وأنزل عليهم المن والسلوى ، وفضلهم على آل فرعون حيث أغرقهم وأراح الاسرائيليين من عذابهم.
(وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ). أوضح سبحانه لبني إسرائيل كل ما يحتاجون اليه من أمور الدين ، ولم يبق عذرا ولا سببا لاختلافهم وتفرقهم (فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ). لقد علموا علم اليقين ما أنزل الله على موسى ، ولكنهم تجاهلوه وحرفوه تبعا لأهوائهم ومصالحهم : (مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا) ـ ٤٦ النساء. وقوله تعالى : (اخْتَلَفُوا) يشير الى القليل النادر الذي ثبت على الحق (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ). قد يتغلب المبطل على المحق في الحياة الدنيا ، أما في الآخرة فإن الكلمة العليا للحق وحده ، وإلا كان المحق أسوأ حالا من المبطل. وتقدم مثله في الآية ٩٣ من سورة يونس ج ٤ ص ١٩٠.
جاء في القرآن الكريم عن بني إسرائيل قوله تعالى : (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا) ـ ١١٢ آل عمران. وتكلمنا مطولا حول هذه الآية في ج ٢ ص ١٣٣ ، وقلنا : ان إسرائيل قاعدة من قواعد الاستعمار ، وانها زائلة لا محالة عاجلا أو آجلا.
والآن ننقل من نصوص الأسفار ـ أي الكتاب المقدس عند اليهود ـ ما يدل بصراحة ووضوح على ان الله كتب على إسرائيل الذلة والمسكنة حتى يومها الأخير. فقد جاء في سفر الملوك الثاني اصحاح ١٧ الآية ١٩ و ٢٠ : «فغضب الرب جدا على إسرائيل ... فرذل الرب كل نسل إسرائيل وأذلهم». وفي سفر ارميا اصحاح ٩ الآية ١٥ و ١٦ : «ها أنا ذا أطعم هذا الشعب أفسنتينا واسقيهم