الزهد كله بين كلمتين من القرآن ، ثم تلا هذه الآية وقال : «ومن لم يأس على الماضي ولم يفرح بالآتي فقد أخذ الزهد بطرفيه». وما من أحد إلا ويحزن ويفرح حتى الأنبياء ، والقصد من النهي أن لا يدخله الفرح في باطل ، ولا يخرجه الحزن عن الحق ، فقد ثبت عن الرسول الأعظم (ص) انه قال عند موت ولده ابراهيم : «تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، وإنا بك يا ابراهيم لمحزونون».
(وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ). ولا شيء أدل على الجهل من الكبرياء والمباهاة. وفي نهج البلاغة : ما لابن آدم والفخر؟ أوله نطفة ، وآخره جيفة ، لا يرزق نفسه ، ولا يدفع حتفه! (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ). البخيل جبان ولئيم ، أما من بخل وأمر الناس بالبخل فهو من المعنيين بقوله تعالى : (مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ) ـ ١٣ القلم. العتل الجاف والزنيم الدعي. قال الرازيّ هذه صفة اليهود. (ملاحظة توفي الرازي سنة ٦٠٦ ه). وتقدم مثله في الآية ٣٧ (النساء) ج ٢ ص ٣٢٣ (وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ). لا يضر البخيل إلا نفسه ، والله سبحانه لا تضره معصية من عصى ، ولا تنفعه طاعة من أطاع. وتقدم مثله في الآية ٣٨ من سورة محمد.
(لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢٥) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٢٦) ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ