الآية يدل عليه ، ولا يتنافى مع المعنى الأول ، بل هو نتيجة للجلاء وأثر من آثاره (فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ). الاعتبار هو رد الشيء الى نظائره ، والحكم عليه بأمثاله ، وقد أجلى الله بني النضير من ديارهم جزاء على خيانتهم ، فعلى العاقل أن يتعظ ويعتبر ويجتنب الغدر والخيانة لئلا يحل به ما حل بهم.
(وَلَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ). عذبهم الله في الدنيا بالجلاء ولو لا ذلك لعذبهم بالقتل والاستئصال كما فعل ببني قريظة .. وفي سائر الأحوال فلا نجاة لهم من عذاب السعير (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ). استحقوا عذاب الدنيا والآخرة لأنهم خالفوا الله وتجاوزوا حدوده ، ونصبوا العداء لرسوله (وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ). هذا تهديد ووعيد لكل متكبر جبار.
(ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ ـ أي نخلة ـ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ). كان النبي (ص) قد أمر أن تقطع بعض نخيل بني النضير ليغيظهم بذلك .. فظن البعض ان هذا نوع من التخريب ، فبين سبحانه ان كل ما وقع من قطع النخيل ، وما ترك منه بغير قطع فهو بأمر الله ، وليس من عند الرسول (ص) ، والقصد منه غيظ الكفار من أجل ما قطع ، وأيضا غيظهم من أجل ما بقي قائما من غير قطع حيث ينتفع به أعداؤهم.
وتجدر الاشارة الى ان قطع الأشجار وما اليه أيام الحرب لا يجوز الأخذ به كمبدأ عام ، بل قد يجب القطع ، وقد يحرم تبعا لما تستدعيه مصلحة حرب العدو تماما كهدم الدور وقلع الأشجار أيام السلم يجوزان لشق الطرق ـ مثلا ـ ويحرمان من غير مبرر.
(وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦)