ولكن روح الجبن والهلع من هتك الأستار وكشف الأسرار ، فلا يسمعون صوتا إلا ويظنونه صيحة العذاب تأخذهم من حيث لا يشعرون .. وقد زادهم هذا الجبن والهلع لؤما وحقدا عليكم أيها المخلصون فاحذروا من غيلتهم وغدرهم ، وفوّتوا عليهم الفرصة بكل ما تستطيعون (قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ). هذا ذم بصيغة الدعاء والتعجب ، والمعنى هم ملعونون لأنهم انصرفوا عن الحق وأعرضوا عنه تمردا وعنادا.
وكل ما جاء في وصف المنافقين في عهد الرسول (ص) فهو صورة طبق الأصل لعملاء اليوم الذين يتآمرون مع أعداء الله والوطن على الكيد لأمتهم والغدر بها .. ولا جريمة أعظم من خيانة الأمة ، ولا شيء أفظع من غش الإنسان لأخيه الإنسان.
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ). إذا نصحهم ناصح وقال لهم : توبوا مما أنتم فيه يغفر الله لكم ورسوله أصروا على الباطل وأعرضوا عن الحق ، وهزّوا رؤوسهم ساخرين متكبرين ، لأنهم أجلّ وأعظم ممن يحتاج إلى الرسول ورضوانه كما يزعمون (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ). لا جدوى من استصلاحهم ـ إذن ـ فلا جدوى من طلب المغفرة لهم .. ان الله غفور رحيم ، ما في ذلك ريب ، ورحمة الله وسعت كل شيء إلا من يأباها ويتكبر عليها .. وليس من الرحمة في شيء أن ترحم من لا يرى نفسه محتاجا إلى رحمتك (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) ما داموا مصرّين على الفسق. وتقدم مثله في الآية ٨٠ من سورة التوبة ج ٤ ص ٧٥.
(هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ (٧) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ