تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ). حاول المشركون بكل سبيل أن يثنوا الرسول الأعظم (ص) عن دعوته ، وأغروه بالجاه والمال فأبى ، وتمنوا لو صانعهم في شيء مما يريدون ، فنهاه الله عن ذلك ، والقصد من النهي أن ييأسوا ويعلموا انه لا هوادة ولا مساومة على طاعة الله وأمره .. ويشبه هذا النهي قولك لمن يساومك على دينك : لقد نهاني الله عن ذلك ، وأنت تريد ان ييأس منك.
(وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ). تمنى المشركون ان يتنازل الرسول (ص) عن بعض ما يدعوهم اليه ، ويستجيبوا بدورهم لبعض ما نهاهم عنه ولو من باب المداهنة والمداراة كي تنتهي المعركة بين الطرفين ، ويتم الصلح على انصاف الحلول ، ويدل السياق على ان الذي اقترح المداهنة يتصف بالأوصاف التي أشار اليها سبحانه بقوله : (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ) يكثر من الأيمان بلا سبب موجب (مهين) حقير (هماز) يكثر الطعن في اعراض الناس (مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) يمشي بالنميمة والوشاية ، والنمام هو الذي يضرب الناس بعضهم ببعض بنقل الأحاديث (مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ) لا يفعله ويمنع الناس من فعله (معتد) على حقوق الآخرين (أثيم) كثير الذنوب والآثام (عتل) فظ غليظ (بعد ذلك) وفوق هذه الأوصاف هو (زنيم) دعيّ لا يعرف له نسب. وهذه الرذائل هي أقصى ما يتصوره العقل.
وذكر كثير من المفسرين ان المقصود بهذه الخصال الملعونة هو الوليد بن المغيرة ، وكان من عتاة قريش ، وفي سعة من المال ، وكثرة من الأولاد ، كما قال تعالى : (أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ). وقال المفسرون : ان هذه الآية تعليل للنهي عن طاعة هذا اللعين .. والأقرب الى الصواب والسياق أن تكون تعليلا لاتصاف المكذب بتلك الصفات الملعونة ، وان الذي جرأه عليها وعلى القول بأن القرآن أساطير وأباطيل هو اعتزازه بأمواله وأولاده كما قال تعالى : (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) ـ ٦ العلق فكيف إذا كان مع الغنى قوة في المال والأهل.
(سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ) السمة العلامة ، والخرطوم الأنف ، وتكني به العرب عن العزة والمذلة أيضا ، فيقولون عن العزيز : له أنف أشم ، وعن الذليل : أنفه في التراب ، المعنى ان الله سبحانه سيخزي هذا الطاغية الذي أخذته العزة