(وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ). هل لله عرش يجلس عليه كالسلاطين والأمراء؟. قال أهل الظاهر الحرفيون : نعم ؛ له سمع وبصر ويد ورجل وغير ذلك من الأعضاء .. ونسب الى أبي عامر القرشي القول بأن الله مثلي ومثلك في هيئته وصورته! .. وهذا مستحيل لأنه لو كان جسما لافتقر الى مكان ، والخالق لا يفتقر الى شيء ، واليه يفتقر كل شيء ، وأيضا يلزم على هذا أن يكون المكان قديما ، ولا قديم إلا الله .. الى آخر ما ذكره الفلاسفة وعلماء الكلام.
وقال آخرون : نحن لا نعلم العرش ، ولا كيف يحمل ، وما كلفنا الله بمعرفة ذلك .. وهذا القول هو الأحوط على حد تعبير الفقهاء الأتقياء.
وعند ما تأملنا في معنى هذه الآية أوحى لنا السياق بأن المراد من العرش الملك والاستيلاء ، كما سبقت الاشارة الى ذلك عند تفسير الآية ٥٤ من سورة الأعراف. وان المراد بحملة العرش الكائنات المخلوقة والمملوكة لله ، ويشعر بذلك ما جاء في إحدى خطب نهج البلاغة : «ولو لا إقرار السماوات لله بالربوبية وإذعانهن بالطواعية لما جعلهن موضعا لعرشه» أي لو لا تصرفه تعالى بالسماوات كيف يشاء لما كانت ملكا له ، فالتصرف المطلق دليل الملك ، كما ان الملك يستدعي هذا التصرف .. وعليه يكون قوله تعالى : (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ) الخ أشبه بالجواب عن سؤال من يسأل : إذا زالت السموات والأرض فإن معنى هذا ان ملك الله قد زال ، ولم يبق من شيء يسيطر عليه؟.
فأجاب سبحانه : كلا .. ان هناك مخلوقا آخر غير السموات والأرض ، وهو عبارة عن ثمانية أكوان ، وهي في أمان وسلام من أي خلل ، يتصرف بها سبحانه كيف يشاء بعد تدمير الأرض والسماء .. نقول هذا كفكرة استوحيناها من كلمة «يحمل» ، وهذه الفكرة ـ كما ترى ـ ممكنة في ذاتها ، ولكن مثلها لا يثبت إلا بالنص الصريح الذي يفيد القطع والجزم ، ولو كانت من باب الحلال والحرام لكان لظن الفقيه وجه وجيه إذا استند الى ظاهر الكتاب أو السنة.