نوح من هذا العطف والتكرار انه دعاهم بكل أسلوب واستمر على ذلك بلا ملل وفتور ، ولكن على غير جدوى.
(فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً). إذا آمنوا بالله وحده وأخلصوا له بالقول والفعل فإن نوحا يضمن لهم على الله سبحانه ان يكفّر عنهم ما سلف من سيئاتهم ، وان يغنيهم من فضله بالأموال والأولاد ، فتفيض السماء عليهم بخيراتها ، والأرض بثمراتها ، ويجمع لهم بين الصحة والأمان والرخاء والهناء مع تكثير النسل.
وتسأل : ان هذه الآيات ربطت بين الايمان والتقوى من جهة ، وبين الرخاء والهناء من جهة مع ان العيان يثبت العكس .. وأوضح مثال على ذلك الولايات المتحدة الامريكية ، فإنها أطغى دولة في الكرة الأرضية ، وأكثرها فسادا واعتداء حتى اتخذت لنفسها مبدأ لا تحيد عنه ، وهو من لم يكن معها ـ أي عبدا لها ـ فهو عدوها اللدود .. وكلنا يعلم ما كان لهذه السياسة من ويلات ، فما من دم يسفك أو فساد يظهر في شرق الأرض وغربها إلا وللولايات المتحدة يد فيه بشكل أو بآخر .. وما من خائن لأمته ووطنه إلا ويجد في أحضانها مقاما كريما ، وعرينا أمينا .. ومع هذا فهي أقوى وأغنى دول العالم على الإطلاق ، وكفى شاهدا على ذلك ان دخلها يبلغ ٤٣ من مجموع الانتاج العالمي مع العلم بأن نسبة سكانها عددا الى نسبة سكان العالم هي ٦ فما هو وجه الجمع بين هذا وبين ظاهر الآيات التي ربطت الرخاء بالايمان؟
الجواب أولا : ان هذه الآيات نزلت في قوم نوح خاصة ، ولا دلالة لها على العموم والشمول كي يتعدى بها الى غيرهم .. هذا ، الى ان الله شأنا خاصا في معاملة الأمم التي ينذرها بلسان أنبيائه مباشرة.
ثانيا : ان ثراء الولايات المتحدة من الشيطان لا من الرحمن لأن معظمه من السلب والنهب.