الليل أو نصفه أو ثلثه على سبيل التخيير ، فسمعوا وأطاعوا ، وكان بعض الصحابة يتعذر أو يتعسر عليهم تحديد هذه الأوقات وضبطها ، فيقومون الليل كله أو جله حتى نقل ان بعضهم تورمت أقدامهم من القيام الطويل احتياطا لدينهم وحرصا على مرضاة ربهم .. وفي الآية التي نحن بصددها أخبر سبحانه النبي بأنه ومن معه من المؤمنين قد أطاعوا الله وبلغوا الغاية من عبادته ، وانه تعالى مجازيهم أفضل الجزاء وأكمله.
(وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ). لن تحصوه أي تعجزون عن ضبط الوقت ، وهو ثلثا الليل ونصفه وثلثه ، والمراد بتاب عليكم رفع التكليف عنكم ، والمعنى ان الله سبحانه جعل لكل من الليل والنهار قدرا معينا وحدا معلوما ، ولكن الصحابة لا يعرفون الأوقات بحدودها وانما يعتمدون على الظن والاجتهاد حيث لا ساعات آنذاك تشير عقاربها الى الدقائق والثواني ، لذلك ودفعا للحرج والمشقة أعفاهم سبحانه من القيام ثلثي الليل أو نصفه أو ثلثه ، على ان يقرءوا ما تيسر وأمكن من القرآن الكريم. ونقل صاحب مجمع البيان عن أكثر المفسرين : ان المراد بما تيسر من القرآن هنا صلاة الليل ، وسواء أكان المراد التلاوة أم صلاة الليل فإن الأمر هنا للندب لا للوجوب ، وتجدر الاشارة الى ان صلاة الليل إحدى عشرة ركعة ، ووقتها بعد نصف الليل.
(عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ). هذه حكمة ثانية للتخفيف ورفع التكليف بالقيام ثلثي الليل أو نصفه أو ثلثه ، وهي ان من العباد مرضى يتعذر عليهم ان يقضوا ساعات من الليل في الصلاة والتهجد ، ومنهم أيضا المسافرون لطلب العيش وغيره من الأمور الضرورية ، والسفر يستدعي النوم والراحة في الليل وإلا تعذر العمل في النهار على المسافر ، ومنهم أيضا الغازون في سبيل الله ، فإذا أحيوا الليل أو شطرا منه في العبادة ضعفوا عن القتال في النهار ، فخفف سبحانه عن الكل لأجل هؤلاء الأصناف الثلاثة. وتومئ الآية الى أمرين هامين : الأول ان الحكمة من نفي التكليف عن العموم لا يفترض فيها عجز جميع الإفراد عن الطاعة والامتثال ، بل يكفي عجز البعض ، وان قدر البعض الآخر. الأمر الثاني ان العمل من أجل الرزق الحلال جهاد في سبيل الله تماما كالجهاد في قتال أعدائه وأعداء الانسانية.