كان الوليد بن المغيرة المخزومي من عتاة قريش وصناديدهم ، وأكثرهم أموالا وأولادا ، وفي ذات يوم سمع رسول الله يقرأ آيا من القرآن الكريم ، فقال : ما هذا من كلام الانس ولا من كلام الجن ، والله ان له لحلاوة ، وان عليه لطلاوة ، وان أعلاه لمثمر ، وان أسفله لمغدق ، وانه يعلو ولا يعلى عليه ، فخافت قريش ان ينتشر قول الوليد فيؤمن الناس بمحمد (ص) فألحوا على الوليد ان ينال من مقام الرسول ، فأجابهم : وما ذا أقول عنه؟ هل أقول : مجنون؟. ومن يصدق؟. أم أقول : كاهن وما تكهن قط ، أم أقول : شاعر ، وما نطق بالشعر ، أم كاذب وما جرب عليه أحد شيئا من الكذب .. ثم فكّر مليا فلاح له أن يصف الرسول بالساحر ، وانه أخذ القرآن عن الكهنة والسحرة.
المعنى :
(ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) الخطاب لرسول الله (ص) والمراد به تهديد الوليد بن المغيرة بإجماع المفسرين ، والمعنى دعني وإياه يا محمد ولا تهتم بشأنه ، ولا بما يفتري به عليك فأنا وحدي أتولى حربه والانتقام منه بأنواع العذاب والتنكيل .. لقد غضب سبحانه على الوليد ، وبلغ هذا الغضب أشده لأنه طغى وبغى ، وكفر بنعمة الله ، وأعرض عن الحق واستعلى عليه وعلى أهله .. وكل من عاند الحق فهو مقصود بهذا الغضب والتهديد تماما كالوليد بن المغيرة لأن الوصف يشعر بالعلّية كما يقول أهل الأصول ، ولأن سبب النزول لا يخصص عموم الآية ولا يتصرف في دلالتها كما أشرنا أكثر من مرة.
ويومئ قوله تعالى : (وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً) الى ان السبب الموجب والدافع على البغي والعدوان هو الثراء وكثرة المال ، والى هذه الحقيقة يشير العديد من الآيات ، منها قوله تعالى : (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ) ـ ١١ المزمل وقوله حكاية عن طاغ يفخر على أحد الصالحين : (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً) ـ ٣٤ الكهف وكفى شاهدا على ذلك قوله ، عز من قائل : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى