(حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً). متى بلغ الغلام مبلغ الرجال بالاحتلام أو بالسن (١) وكان عاقلا في تصرفاته كان له ما للبالغين الراشدين ، وعليه ما عليهم من التكاليف الشرعية. ولكن جماعة من المفسرين قالوا : ان هذه الآية تشير الى موضوع آخر ، وهو نضج الإنسان وكماله عقلا وجسما بدليل قوله تعالى : (وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً) لأن هذا النضج يبدأ في الغالب بسن الثلاثين ، ويستمر في النمو حتى الأربعين حيث يبلغ الغاية في طاقاته ومؤهلاته.
ومهما يكن فإن السن والمؤهلات لا توجب الوعي وأصالة الرأي إذا لم يمر الإنسان بالكثير من التجارب .. وغير بعيد أن يكون ذكر الأربعين سنة في الآية للاشارة الى ان الإنسان في الغالب يمر بعد بلوغ هذه السن بتجارب نافعة. وقال المفسرون وأهل السير : ان الله ما بعث نبيا إلا بعد الأربعين من عمره سوى عيسى ويحيى (قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ). العاقل يطلب من الله سبحانه التوفيق والعون على تأدية الشكر له تعالى بالطاعة والانقياد ، وأعظم النعم كلها الهداية الى الحق والعمل بموجبه ، أما وجود الإنسان من حيث هو فما هو بنعمة عليه ولا على غيره إذا لم يكن وسيلة للعمل الصالح. وجاءت هذه الآية بالحرف في سورة النمل الآية ١٩ ج ٦ ص ١٣.
(وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي). الأبناء عبء ثقيل على الآباء ، بل كارثة بتربيتهم ومطالبهم وهمومهم .. ولكن الأب المسكين يرى رغبته وسعادته في هذه الكارثة إذا منّ الله عليه بذرية صالحة ، وإلا تراكمت المصائب والكوارث (إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ). وفيه إيماء الى ان الله لا يتقبل من مذنب ولا يستجيب لدعائه إلا إذا تاب من ذنوبه ، واستقام في أقواله وأفعاله (أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) عن هنا بمعنى «من» مثلها في قوله تعالى : (أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) ـ ١٠٥ التوبة. والمراد بأحسن ما عملوا غير السيئات ، أما
__________________
(١). قال الشافعية والحنابلة : يتحقق البلوغ ب ١٥ سنة في الغلام والجارية. وقال المالكية : ١٧ فيهما. وقال الحنفية : ١٨ في الغلام و ١٧ في الجارية. وقال الامامية : ١٥ فيه و ٩ فيها.