ـ اذن ـ يلتقي الإنسان مع الجماد لأنه كان ترابا ، واليه يؤول ، وأيضا كل منهما جسم يحس ويلمس ، وأيضا يلتقي مع النبات لأنه كان في بطن أمه كالنبات ينمو ويتحرك ، ولكنه لا يسمع ولا يبصر ، ويلتقي الإنسان مع الحيوان لأنه كان في طفولته يحس ويشعر ويسمع ويبصر ولكنه لا يعقل تماما كالحيوان ، ثم افترق عنه بالعقل والإدراك ، ومن هنا كان أهلا لتحمّل المسئولية ، واستحقاق الثواب والعقاب من دون الحيوان.
وهنا يأتي التساؤل : من الذي نقل الإنسان من المرحلة البائدة الى الوجود الترابي الجامد ، ومنه الى النباتي النامي المتحرك ، ثم الى الحيواني السميع البصير ، ثم جعله إنسانا سويا بجسمه وعقله يخبر عن الماضي ويتنبأ بالمستقبل ، ويخلق الحضارات ، ويتحكم بكثير من الكائنات ، حتى بالحيوان السميع البصير ، ويسأل عما يفعل ، ولا يسأل غيره عن شيء؟ وهل من تفسير لهذا وغيره مما لا يبلغه الإحصاء إلا التفسير بوجود خالق قادر أعجز الأوهام أن تدركه ، والألسنة أن تصفه؟.
وبعد أن أشار سبحانه الى مسؤولية الإنسان بقوله : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) بعد هذا ذكر ما أعد للكافرين : (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً وَسَعِيراً). السلاسل للأرجل ، والأغلال للأيدي ، والحريق للأجسام (إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً). تطلق الكأس على زجاجة الشراب ، وعلى الشراب نفسه ، وهذا المعنى هو المراد هنا. وقال كثير من المفسرين : ان لشراب أهل الجنة رائحة طيبة كرائحة الكافور ، ونقول نحن : ان المزج بالكافور حقيقة كما دل ظاهر الآية ، وإذا كان طعم الكافور في الدنيا كريها فليس من الضروري أن يكون في الجنة كذلك ، فخمرة الدنيا توجب الصداع والأوجاع ، وخمرة الجنة (لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) ـ ٤٧ الصافات. قال ابن عباس : كل ما ذكره الله في القرآن مما في الجنة فليس منه في الدنيا إلا الاسم.
(عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً) أي تجري حيث يشاءون بدون آلة ، بل بمجرد المشيئة .. وتقدم العديد من الآيات التي وصفت ما أعده الله