المعنى :
تعرض هذه السورة جانبا من مشاهد اليوم الآخر ، وتحذر المجرمين والمكذبين من عذابه وأهواله .. وتقدم ذلك في عشرات الآيات ، ومن أجل هذا نقتصر على التفسير اللغوي ، ونعرب بعض ما يحتاج الى الاعراب من الكلمات جامعين بين اللغة والإعراب في فقرة واحدة على خلاف عادتنا في سائر السور.
(وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً). قيل ، هي الملائكة. وان المراد بالعرف المعروف وانه مفعول من أجله للمرسلات ، والمعنى ان الله يرسل ملائكته من أجل تبليغ الوحي للأنبياء وغير ذلك من الخيرات. وقيل المراد بالمرسلات الرياح ، وبالعرف التتابع ، وقد نصب على الحال ، والمعنى يرسل الله الرياح متتابعة (فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً). السريعات في السير ، يقال : عصفت الناقة براكبها إذا أسرعت به ، وعصفا مفعول مطلق للعاصفات (وَالنَّاشِراتِ نَشْراً). تنشر الرياح السحب في الفضاء ، أو تنشر الملائكة رحمة الله في خلقه (فَالْفارِقاتِ فَرْقاً). تنزل الملائكة بآيات الله التي تفرق بين الحق والباطل ، أو ان الرياح تفرق الأمطار في أنحاء الأرض (فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً عُذْراً أَوْ نُذْراً). ذكرا مفعول به للملقيات ، وعذرا أو نذرا مفعول من أجله ، وقيل : بدل من الذكر ، والأول أقرب الى الصواب ، لأن المعنى ان الله سبحانه يرسل ملائكته بالوحي لينذر به العباد ، ولا يكون لهم عليه الحجة. وقيل : ان المراد بالملقيات الرياح ، وبالذكر المطر لأنه يذكّر بالله ورحمته ، فالمؤمن يشكر الله حين ينزل المطر ويعتذر عما سبق منه من التقصير ، والكافر يزداد طغيانا لأن المطر يزيد من ثرائه ، وبالتالي يكون المطر أو الرياح نذيرا له بعذاب أليم.
هذا ملخص ما قاله المفسرون حول هذه الكلمات أو الآيات الخمس ، ولكل وجه ، لأن الله يرسل الرياح كما جاء في الآية ٥٧ من سورة الأعراف : (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) وأيضا يرسل الملائكة كما جاء في الآية ٧٥ من سورة الحج : (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً). ومهما يكن فما نحن بمسؤولين عن هذا البحث امام الله ، ولا تمتّ معرفته الى حياتنا بسبب ، فالأولى أن نترك ذلك لعلمه تعالى مؤمنين بأنه هو وحده مسبب الأسباب.