وَأَفْئِدَةً) تماما كما جعلنا لكم (فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ) لأنهم لم ينتفعوا بشيء منها ، بل كانوا كالمجنون والأبكم والأصم والأعمى فيما يعود الى التذكير والتحذير ... فلا يغركم يا أهل مكة ما يعجبكم من أسماعكم وأبصاركم وعقولكم فإنها لا تغني عنكم من شيء إذا نزل بكم العذاب (إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ). جحدوا الحق ودلائله ، وسخروا منه ومن أهله ، وأمعنوا في البغي والضلال ، فكان جزاؤهم الهلاك والدمار.
(وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ). الخطاب في حولكم لمشركي مكة ، والمراد بالقرى أهلها وهم عاد وثمود ومن جاورهم ، وصرفنا الآيات بيّنا لهم أنواعا من الدلائل والعظات ، وأنذرناهم بالأقوال والأفعال كي يتعظوا ويرتدعوا ، فأبوا إلا كفورا ، فحق عليهم العذاب ودمرناهم تدميرا (فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً). عبدوا الأصنام ليقربوهم من الله ، وينقذوهم من بأسه ، ولما نزل بهم العذاب لم تغن الأصنام عنهم شيئا (بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ) أضاعوهم ولم يهتدوا الى مكانهم ... وفي هذا ما فيه من الزراية والاستخفاف بهم وبأصنامهم (وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ). ذلك إشارة الى عدم نجدة الأصنام ، وانها لا تسعف من كان يعبدها ويرجوها وقت الضيق ، والمعنى ان قول المشركين بأن الأصنام شفعاؤنا عند الله ، وتنجينا من عذابه هو إفك وافتراء.
(وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩) قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى