يمنحه العقل الذي هو مصدر العلوم ، وليس للعقل حد ينتهي اليه لا الصعود إلى القمر ولا الى المريخ ، وكذلك علوم الإنسان ، فإنها تزداد يوما بعد يوم الى ما لا نهاية .. واتفق أكثر المفسرين على ان هذه الآيات من أول السورة الى هنا نزلت دفعة واحدة ، أما بقية السورة فمتأخرة زمانا.
(كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى). كلا للردع ، والطغيان تجاوز الحد ، والحكم على الإنسان باعتبار الأغلب من أفراده .. وأكثر الناس ـ وكنت منهم ـ يستشهدون بهذه الآية على ان الإنسان يستعلي ويظلم حين يملك من المال والثروة أكثر من غيره .. وعلى هذا جمهور المفسرين. قال الرازي : «أول السورة يدل على مدح العلم ، وآخرها على مذمة المال». وقال صاحب مجمع البيان : «أي إن رأى نفسه مستغنية عن ربه بعشيرته وأمواله وقوته». وقال الشيخ محمد عبده : أي متى أحس من نفسه وبقطع النظر عما قبلها ، وهو قوله تعالى : (عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ). أما إذا نظرنا الى مجموع الآيتين ، وانهما وردتا في كلام واحد بلا فاصل بينهما ، ولا بد من هذا النظر ، إذا فعلنا ذلك كان المعنى ان الإنسان يتجاوز الحدود المشروعة حين يرى نفسه غنيا بالعلم وأدواته كالمختبرات والمصانع ، ويظلم من هو دونه بقسوة وضراوة ، ويؤيد هذا التفسير بالاضافة الى ظاهر السياق ـ انه الواقع الذي تعيش فيه الانسانية الآن ، فإن الذين يملكون العلم يحاولون أن يخضعوا العالم كله لسيطرتهم واستغلالهم ، بعد أن اتجهوا بالعلم الى الانتاج الحربي والصناعة العسكرية ؛ وأصبح لديهم من الأسلحة ما يقضون به على الكرة الأرضية بما فيها في بضع ساعات .. هذا هو التفسير الصحيح لقوله تعالى : (أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) نقول هذا ، ونحن من المؤمنين بالحقيقة الشائعة «الإنسان ان استغنى بطر وفتن ، وان افتقر قنط ووهن» ولكن الحقيقة في ذاتها شيء ، ودلالة اللفظ والسياق شيء آخر.
(إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى) لا تغتر بالدنيا وزينتها أيها الطاغية ، ولا بالعلم وقنابله والمال وخداعه فإن قوة الحق أمضى من القنابل النووية .. فهذه ثورة الإنسان ضد