بقوة الحجة والبرهان عند نقاش الخصم وجداله ، ومنها النصر بعلو الشأن وخلود الذكر في الدنيا ، ومنها النصر في الآخرة يوم تسودّ وجوه وتبيضّ وجوه (وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ) ـ ٤٩ ابراهيم.
وإذا تبين معنا ان النصر من الله على أنواع ، وان قوله تعالى : (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ) مطلق غير مقيد بنوع من أنواع النصر ، ولا مقرون بصفة من صفاته ، إذا تبين هذا علمنا ان المراد من النصر في الآية أي نصر كان .. وليس من شك انه كائن لا محالة ، ولو في اليوم الآخر الذي لا ريب فيه ، وعليه فلا وجه للاعتراض أو السؤال : كيف وعد الله سبحانه المحقين بنصره مع ان تاريخ البشرية متخم بأخطر المظالم والاعتداءات على الطيبين والمخلصين؟. وسبق الكلام عن هذا الموضوع مفصلا عند تفسير الآية ٣٨ من سورة الحج ج ٥ ص ٣٣١ فقرة «لا يخلو المؤمن من ناصر».
ونشير بهذه المناسبة الى ان بعض الفئات تدعو الآن الى قيام دولة اسلامية ، وأي مسلم يخلص لله فيما يدين يأبى أن يكون للإسلام سلطان ينفذ أحكام القرآن ، وللمسلمين ما يوحد كلمتهم ويجمع قوتهم ، وينقذها من التفتيت والتشتيت؟.
ولكن نسأل : هل توجد هذه الدولة بمجرد رفع الشعارات واذاعة البيانات ، أو بتكثير العمائم على رؤوس الجهلاء والدخلاء؟ وهل من الممكن أن تنبثق عن ٧٠٠ مليون مسلم منتشرين في شرق الأرض وغربها ، ولهم قوميات متعددة ، ومذاهب سياسية مختلفة ، وفرق متباينة ، وبعضهم يخضع لدول اشتراكية ، وبعضهم لدول رأسمالية ، وآخرون لهم كيان مستقل أو شبه مستقل. وإذا تكونت هذه الدولة من المسلمين العرب أو غير العرب فهل تستطيع أن تواجه مسؤولياتها ، وتنجح في حل مشاكل المسلمين في الأقطار الأخرى؟ ثم هل تكون هذه الدولة سنية أو شيعية أو منهما؟ ونترك الجواب عن هذه التساؤلات للمخلصين من ذوي الاختصاص.