عز من قائل : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً). وقد اشتهرت هذه البيعة ببيعة الرضوان ، وأيضا يطلق عليها بيعة الشجرة ، وبيعة الرضوان تحت الشجرة لقوله تعالى : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) ـ ١٨ الفتح.
ولما رأت قريش ما رأت من صلابة الرسول (ص) رضخت للصلح ، وتم الاتفاق على أن لا يدخل المسلمون مكة هذا العام حتى إذا كان العام القادم دخلوها معتمرين ، وأقاموا فيها ثلاثة أيام لا يحملون من السلاح إلا السيوف في أغمادها. ودعا الرسول (ص) علي بن أبي طالب ، وقال له : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم ، فاعترض مندوب قريش وقال: اكتب باسمك اللهم ، فقبل النبي وكتب علي ، ثم قال النبي : اكتب هذا ما صالح محمد رسول الله ، فاعترض مندوب قريش وقال : اكتب اسمك واسم أبيك ، فقبل النبي وتلكأ علي ، فقال له النبي (ص) : ولك مثلها وأنت مضطهد. يشير بذلك إلى مسألة الحكمين في صفين ، وهذا من علم الغيب الذي أوحى الله به إلى نبيه الكريم وهو من أقوى الدلائل على نبوته وصدقه في رسالته.
ولما وقّع الطرفان وثيقة الصلح تحلل النبي (ص) والصحابة من إحرامهم ، ونحروا الهدي وحلقوا رؤوسهم ، ومكثوا أياما بالحديبية ، ثم انصرفوا إلى المدينة ، وفي السنة التالية توجه النبي والصحابة إلى مكة معتمرين ، ودخلوها وهم يهللون ويكبرون وينادون : لا إله إلا الله وحده ، نصر عبده ، وأعز جنده ، وخذل الأحزاب وحده. وأقاموا بمكة ثلاثة أيام يطوفون وينحرون ، وتسمى هذه العمرة عمرة القضاء لأنها مكان العمرة التي منعهم منها المشركون ، وفيها نزل قوله تعالى : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ) ـ ٢٧ الفتح.
(سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا). حين