(إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ). يشير سبحانه بالذين كفروا الى عتاة الشرك الذين منعوا النبي سنة ست للهجرة من زيارة المسجد الحرام ، لا لشيء إلا لأن قلوبهم مفعمة بالتعصب وأنفة الكبرياء ... وهذا وحده يستوجب الإذن بقتالهم وقتلهم ، ولكن الله سبحانه كف أيدي المسلمين عنهم حرصا على حياة من كتم إيمانه ومن سيدخل في الإسلام منهم بعد فتح مكة.
(فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها). المراد بالسكينة هنا الرضا والصبر الجميل ، وبألزمهم أوجب على المؤمنين ، أما كلمة التقوى فقيل : ان المراد بها قول لا إله إلا الله ... والأرجح ان المراد بها العمل بالتقوى ، والمعنى ان النبي (ص) قبل صلح الحديبية على الرغم من كبرياء المشركين وعتوهم ، وكره هذا الصلح بعض الصحابة وأصروا على القتال ، ولكن الله سبحانه ألهمهم الصبر الجميل على غطرسة المشركين ، وأمرهم أن يقبلوا الصلح ويرضوا به فسمعوا وعملوا بما يوجبه الايمان والتقوى ، ولا بدع فإنهم أهلها وأولى الناس بالعمل بها ، فلقد جاهدوا وضحّوا بالكثير في سبيل الله ، وصبروا صبر الأحرار والأبرار (وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً). يعلم المتقين والمجرمين ، ويجزي كلا بما كسبوا وهم لا يظلمون.
(لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (٢٧) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً (٢٨) مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً