والتحرز عن الوقوع في اشتغال الذمة ليس اولى من التحرز عن الوقوع في مخالفة الأمر الموجبة للإثم ، والتمسك بأصالة البراءة انما يتم قبل ورود الأمر أو بعده مع ظهور الدلالة على عدم الوجوب ، والتفصي عن المخالفة بالحمل على الاستحباب لا يسمن ولا يغني من جوع في هذا الباب ، إذ متى كان الحكم واجبا شرعا وقد أمر به حافظ الشريعة لذلك فحمل امره على الاستحباب المؤذن بجواز الترك تخرصا عين المخالفة لمقتضى امره والرد لنافذ حكمه. هذا ، وقد تقدم الجواب عن ذلك مستوفى في المقدمة السابعة (١) ويدل على القول الثالث
ما رواه الطبرسي (قدسسره) في كتاب الاحتجاج (٢) من التوقيع الخارج من الناحية المحروسة في جملة أجوبة مسائل الحميري ، حيث سأل عن المسح على الرجلين : يبدأ باليمين أو يمسح عليهما جميعا؟ فخرج التوقيع «يمسح عليهما جميعا معا ، فان بدأ بإحداهما قبل الأخرى فلا يبدأ إلا باليمين».
وأنكر جملة من محققي متأخري المتأخرين وجود دليل لهذا القول لعدم الوقوف على الرواية المذكورة حتى تكلف بعضهم الاستدلال عليه بما لا يخلو من شيء.
(الثالثة) ـ لو خالف مقتضى الترتيب المذكور عمدا أو نسيانا ، فإنه تجب عليه الإعادة على ما يحصل به الترتيب مع عدم الجفاف ومعه فتجب الإعادة من رأس ، وظاهر العلامة في التحرير الإعادة مع العمد من رأس وان لم يجف ، وفي التذكرة عكسه وهو الإعادة مع النسيان من رأس وان لم يجف ، والتفصيل بالجفاف وعدمه مع العمد ، وهو غريب.
ثم انه هل يكفي في الإعادة مع عدم الجفاف اعادة ما قدم مما حقه التأخير دون ما أخر مما حقه التقديم لصحته ، إذ لا مانع من صحته إلا تقديم ما حقه التأخير عليه ، وهو غير صالح للمانعية لفساده ، أو يجب اعادة الجميع ، نظرا إلى انه كما بطل الأول لتقديمه في غير موضعه كذلك بطل الثاني لترتيبه عليه ووضعه أيضا في غير موضعه؟
__________________
(١) ج ١ ص ١١٥.
(٢) ص ٢٥٥ وفي الوسائل في الباب ٣٤ من أبواب الوضوء.