انّ التعذيب قبل البيان قبيح ، فأرسل الرسل لإفحام المشركين ودحض حجتهم يوم القيامة ، فلو كان منطقهم عند عدم البيان منطقاً ، زائفاً كان عليه سبحانه نقض منطقهم ببيان انّ التعذيب صحيح مطلقاً مع أنّا نرى أنّه سبحانه استصوبه وأرسل الرسل لإتمام الحجّة.
٢. الإضلال فرع البيان
قال سبحانه :(وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ). (١)
وجه الاستدلال : انّ التعذيب من آثار الضلالة ، والضلالة معلَّقة على البيان في الآية ، فيكون التعذيب معلَّقاً عليه ، فينتج انّه سبحانه لا يعاقب إلّا بعد بيان ما يجب العمل أو الاعتقاد به.
فإن قلت : ما هو المراد من إضلاله سبحانه ، فانّ الإضلال أمر قبيح فكيف نسب إلى الله سبحانه؟
قلت : انّ الإضلال يقابل الهداية ، وهي على قسمين ، فيكون الإضلال أيضاً مثلها.
توضيحه : انّ لله سبحانه هدايتين : هداية عامّة تعم جميع الناس من غير فرق بين إنسان دون إنسان حتى الجبابرة والفراعنة ، وهي تتحقق ببعث الرسل وإنزال الكتب ودعوة العلماء إلى بيان الحقائق ، مضافاً إلى العقل الذي هو رسول باطني ، وإلى الفطرة التي تسوق الإنسان إلى فعل الخير.
هداية خاصّة وهي تختص بمن استفاد من الهداية الأُولى ، فعندئذ تشمله
__________________
(١). التوبة : ١١٥.