ولكن تفسير الحديث بهذا النحو الأعم خلاف الظاهر ، لأنّ ظاهر قوله : «حتى يرد فيه» أي يرد النهي في نفس الشيء بما هو هو.
إلى هنا تمّ الاستدلال على البراءة بالكتاب العزيز والسنّة المطهّرة ، بقي الكلام في الاستدلال عليها بالعقل.
الاستدلال بحكم العقل
استدلّ القائل بالبراءة بحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان واصل إلى المكلف بعد إعمال العبد ما تقتضيه وظيفتُه من الفحص عن حكم الشبهة واليأس عن الظفر به في مظانّه ، وانّ وجود التكليف في الواقع مع عدم وصوله إلى المكلّف غير كاف في صحّة التعذيب ، وانّ وجوده بلا وصول إلى المكلّف كعدمه في عدم ترتب الأثر ، وذلك لأنّ فوت المراد مستند إلى المولى في كلتا الصورتين التاليتين :
١. ما إذا لم يكن هناك بيان أصلاً فحاله معلوم.
٢. ما إذا كان هناك بيان صادر من المولى لكنّه غير واصل إلى العبد ، فلأنّ الفوت أيضاً مستند إلى المولى إذ في وسعه إيجاب الاحتياط على العبد ، في كلّ ما يحتمل وجود التكليف ، ومع تركه يكون ترك المراد مستنداً إلى المولى وذلك لانّه اقتصر في طلب المقصود ، بالحكم على الموضوع بالعنوان الواقعي ، ولو كان مريداً للتكليف حتى في ظرف الشك فيه وعدم الظفر به بعد الفحص ، كان عليه استيفاء مراده بإيجاب التحفّظ ، ومع عدمه يحكم العقل بالبراءة وانّ العقاب قبيح ، ويشكَّل قياساً بالشكل التالي :
العقاب على محتمل التكليف بعد الفحص التام وعدم العثور عليه في مظانّه لا بالعنوان الأوّلي ولا بالعنوان الثانوي عقاب بلا بيان.
والعقاب بلا بيان مطلقاً أمر قبيح.