تمهيد
يعلم الفقيه أنّ بينه وبين ربّه حججاً معتبرة تقطع العذر وتُنجّز الواقع ، غير انّه لا يعلم في بدء الأمر خصوصياتها ومعالمها ، فيبعثه العقل إلى التعرّف عليها بالتفصيل عن كثب ، وهي عند الشيعة الإمامية أربعة : الكتاب ، السنّة ، الإجماع ، والعقل التي يدور عليها رحى الفقه والاستنباط ، وأمّا سائر الأمارات فهي غير معتبرة عندنا وإن كانت معتبرة عند الآخرين.
إذا كانت الحجج منحصرة عندنا في الأدلّة الأربعة كان اللازم على الأُصوليّين المتأخّرين الذين أفاضوا القول في علم الأُصول أن يعقدوا لكلّ منها فصلاً خاصاً ليتعرّف عليه المبتدئ ويقف على معالمه وحدوده ، ولكنّهم لم يقوموا بهذه المهمة.
ومع ذلك كلّه لم تفتهم الإشارةُ إليها في ثنايا بحوثهم حيث أدرجوا البحث عن الكتاب في مبحث حجّية الظواهر على الإطلاق ، والبحث عن السنّة في مبحث حجّية خبر الواحد ، كما أدغموا البحث عن الإجماع محصَّلاً كان أو منقولاً في مبحث الإجماع المنقول ، والبحث عن حجّية العقل في مبحث القطع. ولكن مرّوا عليها مروراً خاطفاً دون التركيز عليها. ولأجل الأهميّة التي تمتعت بها الأدلّة الأربعة عقدنا لكلّ واحد عنواناً خاصاً متميزاً عن غيره ومع ذلك فلصيانة المنهج السائد في الكتب الأُصولية عقدنا الفصول كالتالي:
العقل ، الإجماع المحصّل ، الكتاب ، والسنّة.
وإن كان الأنسب تقدّم الكتاب والسنّة على الآخرين.