التنبيه التاسع : تقدّم الاستصحاب على سائر الأُصول
الاستصحاب متقدّم على سائر الأُصول ، لأنّ التعبّد ببقاء اليقين السابق وجعله حجّة في الآن اللاحق يوجب ارتفاع موضوعات الأُصول (عدم البيان) ، أو حصول غاياتها (العلم بالحرمة) ، وإليك البيان :
أ. أنّ موضوع البراءة العقلية هو عدم البيان ، فإذا كان الشيء مستصحَب الحرمة أو الوجوب ، فالأمر بالتعبّد بإبقاء اليقين السابق بيان من الشارع ، فلا يبقى موضوع للبراءة العقلية.
ب. كما أنّ موضوع البراءة الشرعية هو «ما لا يعلمون» والمراد من العلم هو الحجّة الشرعيّة ، والاستصحاب كما قرّرناه حجّة شرعيّة على بقاء الوجوب والحرمة في الأزمنة اللاحقة ، فيرتفع موضوع البراءة الشرعية.
ج. أنّ موضوع التخيير هو تساوي الطرفين من حيث الاحتمال ، والاستصحاب بحكم الشرع هادم لذلك التساوي.
د. أنّ موضوع الاشتغال هو احتمال العقاب في الفعل أو الترك ، والاستصحاب بما أنّه حجّة مؤمِّن ، فالاستصحاب بالنسبة إلى هذه الأُصول رافع لموضوعها. وإن شئت فسمِّه وارداً عليها.
وربّما يكون الاستصحاب موجباً لحصول غاية الأصل كما هو الحال في أصالتي الطهارة والحليّة ، فإنّ الغاية في قوله (عليهالسلام) : «كلّ شيء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر» ، وفي قوله (عليهالسلام) : «كلّ شيء حلال حتى تعلم أنّه حرام» وإن كان هو العلم ، لكن المراد منه هو الحجّة ، والاستصحاب حجّة ، ومع جريانه تحصل الغاية ، فلا يبقى للقاعدة مجال.
ولمّا انجرّ الكلام إلى تقدّم الاستصحاب على عامّة الأُصول اقتضى المقام بيان نسبة بعض القواعد إلى الاستصحاب.