الثالث : عرّف الشيخ التعارض بأنّه : «تنافي مدلولي الدليلين على وجه التناقض أو التضاد». (١)
وعرّفه المحقّق الخراساني بأنّه : تنافي الدليلين أو الأدلّة حسب الدلالة ومقام الإثبات على وجه التناقض أو التضاد. (٢)
وإنّما عدل عن التعريف الأوّل ، لأجل إخراج ما يمكن فيه الجمع بين الروايتين عرفاً ، من التعريف ، كموارد «الورود والحكومة والتخصيص» فانّ التنافي بين المدلولين وإن كان موجوداً في مواردها ، لكنّه ليس موجوداً حسب الدلالة مع وجود الجمع العرفي.
والحاصل : أنّ المحقّق الخراساني يفرّق بين التنافي في المدلول والتنافي في الدلالة ، لاختصاص الثاني بغير موارد وجود الجمع العرفي ، دون الأوّل فانّه يعمّ جميع الموارد سواء كان هناك جمع عرفي أو لا.
الرابع : إنّ الظاهر من التعريفين أنّ التنافي على نحو التضاد ، غير التنافي على نحو التناقض. ولكن الحقّ رجوع التنافي على وجه التضاد إلى التنافي على وجه التناقض ، فإذا ورد دليلان على الوجوب ، والحرمة فما يدلّ بالدلالة المطابقية على الوجوب فهو بمدلوله الالتزامي يدلّ على عدم الحرمة ، فينافي ما يدلّ على الحرمة ، وعلى ضوء ذلك ، التنافي بالمدلول المطابقي وإن كان بصورة التضاد ، لكنّه بالمدلول الالتزامي ، بنحو التناقض على ما عرفت.
ومع ذلك كلّه ، الإرجاع المذكور أمر دقيق لا يلتفت إليه الإنسان إلّا بعد التأمّل حتى يستغني بقيد «على وجه التناقض» عن القيد الآخر ، ومقام التعريف
__________________
(١). الشيخ الأنصاري : فرائد الأصول : ٤٣١.
(٢). المحقّق الخراساني : كفاية الأصول : ٣٧٦ / ٢.