يطالب لنفسه مقاماً واضحاً فلا إشكال في الإتيان بكلا القيدين حتّى يشمل التعريف لكلتا الصورتين بوضوح.
الخامس : في الفرق بين التعارض والتزاحم
إنّ اختلاف الدليلين تارة يكون على وجه التعارض ، وأُخرى على نحو التزاحم ، فلو رجع التنافي إلى مقام الجعل والمدلول ، وأصل الإنشاء على وجه لا يصحّ للمشرِّع أن يحكم على شيء واحد بحكمين متناقضين ، أو متضادين ، مع قطع النظر عن قدرة المكلَّف على امتثالهما ، فالتنافي من قبيل التعارض كالحكم بوجوب شيء وحرمته أو عدم وجوبه.
وأمّا إذا رجع التنافي إلى مقام الامتثال ، بأن لا يكون هناك تناف في مقام الملاك والمناط ، ولا في مقام الجعل والإنشاء ، بل رجع التنافي إلى مرتبة متأخرة أعني مرتبة الامتثال ، فالتنافي من قبيل التزاحم.
مثلاً إنّ تشريع وجوب إزالة النجاسة عن المسجد ، لا ينافي تشريع وجوب الصلاة في المسجد ، وليس بينهما أيُّ تزاحم في مقام الملاك ولا الإنشاء ولا الفعلية ، وانّما التنافي بينهما في مقام الامتثال ، حيث إنّه يرجع إلى عجز المكلَّف عن امتثالهما إذا ابتلى بهما في وقت واحد ، وهذا نظير قولك : «انقذ هذا الغريق» وقولك : «انقذ ذاك الغريق» إذ ليس بينهما أيّ منافرة ، وانّما حصلت المنافرة في ظرف الامتثال ، حيث إنّه ليس بمقدوره أن ينقذ كلا الغريقين في زمان واحد ، وهذا ما يسمّى بالتزاحم.
وإن شئت قلت : إنّ المتعارضين متكاذبان في مقام التشريع والجعل ، والمتزاحمين متنافران في مقام الامتثال ، دون أن يكون بينهما أيُّ تكاذب وتعاند في مقام الجعل والإنشاء.