وهذا الحديث أيضاً أجنبي عن المقام ، لأنّ الضمائر ترجع إلى الحكمين اللّذين اختارهما كلّ واحد من المتحاكمين ، وبما انّ القضاء أمر لا يخلو تأخيره من مضارّ ناسب أن تكون صفات القاضي من المزايا ، بخلاف الإفتاء.
نعم اختلاف الحكمين في القضاء ، وإن نشأ عن الاختلاف في الحديث المروي عنهما (عليهماالسلام) لكنّ الاختلاف الحديث سبب الاختلاف في القضاء وليس الإمام بصدد ترجيح رواية على رواية أُخرى ، بل بترجيح قضاء ، على قضاء آخر.
إلى هنا تمّ الكلام في المرجح الأوّل ، وثبت انّه لا يمتُّ إلى ترجيح الرواية بصلة.
٢. الترجيح بالشهرة العملية
قد ورد الترجيح بالشهرة العملية في رواية واحدة وهي مقبولة عمر بن حنظلة ، فقد فرض عمر بن حنظلة مساواة الحكمين في الصفات ، قائلاً :
قلت : فانّهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضّل واحد منهما على الآخر.
قال : فقال : «ينظر إلى ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الذي حكما به المجمعَ عليه من أصحابنا فيؤخذ به من حكمنا ، ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك ، فانّ المجمع عليه لا ريب فيه ، وإنّما الأُمور ثلاثة : أمر بيّن رشده فيُتّبع ، وأمر بيّن غيّه فيجتنب ، وأمر مشكل يردّ علمه إلى الله وإلى رسوله ، قال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) : حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات بين ذلك ، فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات ، ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرّمات وهلك من حيث لا يعلم». (١)
فإن قلت : إنّ صدر الحديث راجع إلى ترجيح أحد الحكمين على الآخر ، فليكن الترجيح بالشهرة العملية راجعاً إليهما لا إلى الخبرين.
قلت : إنّ صدر الحديث وإن كان راجعاً إلى ترجيح حكم أحد القاضيين
__________________
(١). الكافي : ١ ، باب اختلاف الحديث من كتاب فضل العلم ، الحديث ١٠.