على حكم الآخر ، لكن بعد ما فرض الراوي مساواة القاضيين من حيث الصفات أرجع الإمام السائل إلى ملاحظة مصدر فتاواهما ، وانّه يقدم قضاء من حكم بخبر مجمع عليه بين الأصحاب ، على من قضى بمصدر شاذ.
ومن هنا توجه كلام الإمام إلى بيان مرجحات الرواية في مقام الإفتاء ليكون حلاً في مقام القضاء أيضاً ، فكلامه في المجمع عليه وما بعده كموافقة الكتاب ومخالفته راجع إلى ترجيح أحد الخبرين على الآخر في مقام الإفتاء.
هذا كلّه لا غبار عليه لكن هنا إشكالاً آخر ، وهو انّ المراد من المرجّح ، هو تقديم إحدى الحجتين على الأُخرى ، لا تقديم الحجّة على اللاحجّة ، والتقديم بالشهرة العملية من قبيل القسم الثاني ، ويعلم ذلك من تحليل مقاطع الرواية في ضمن أُمور :
١. المراد من «المجمع عليه» ليس ما اتّفق الكل على روايته ، بل المراد ما هو المشهور بين الأصحاب في مقابل ما ليس بمشهور ، والدليل على ذلك قول الإمام (عليهالسلام) : «ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك».
٢. المراد من اشتهار الرواية بين الأصحاب هو اشتهارها مع الإفتاء بمضمونها ، إذ هو الذي يمكن أن يكون مصداقاً لما لا ريب فيه ، وإلّا فلو نقلوا الرواية بلا إفتاء وفق مضمونها ففيه كلّ الريب والشكّ.
٣. المراد من قوله : «لا ريب فيه» هو نفي الريب على وجه الإطلاق ، لأنّ النكرة في سياق النفي تفيد العموم ، فالرواية المشهورة نقلاً وعملاً ليس فيها أي ريب وشك.
وأمّا ما يقابلها ، أعني : الشاذ ممّا لا ريب في بطلانه ، وذلك لأنّه إذا كانت النسبة في إحدى القضيتين صحيحة قطعاً تكون النسبة في القضية المناقضة لها باطلة قطعاً ، وهذا هو المهم فيما نرتئيه.