٢. نشر العلم والثقافة أصل ثابت في الإسلام ، وأمّا تحقيق ذلك وتعيين كيفيته فهو موكول إلى الزمان ، فعنصر الزمان دخيل في تطبيق الأصل الكلي حسب مقتضيات الزمان.
٣. التشبّه بالكفار أمر مرغوب عنه حتى أنّ الرسول (صلىاللهعليهوآلهوسلم) أمر بخضب الشيب وقال : «غيِّروا الشيب ولا تشبّهوا باليهود» ، والأصل الثابت هو صيانة المسلمين عن التشبّه بأهل الكتاب ، ولما اتسعت دائرة الإسلام واعتنقته شعوب مختلفة وكثر فيهم الشيب تغير الأُسلوب ولما سُئل علي (عليهالسلام) عن ذلك ، قال : «إنّما قال (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ذلك والدين قُلّ ، فأمّا الآن فقد اتسع نطاقه وضرب بجرانه فامرؤ وما اختار». (١)
٤. انّ روح القضاء الإسلامي هو حماية الحقوق وصيانتها ، وكان الأُسلوب المتبع في العصور السابقة هو أُسلوب القاضي الفرد ، وقضاؤه على درجة واحدة قطعية ، وكان هذا النوع من القضاء مؤمِّناً لهدف القضاء ، ولكن اليوم لما دبّ الفساد إلى المحاكم وقلَّ الورع ألزم الزمان أن يتبدل أُسلوب القضاء إلى أُسلوب محكمة القضاة الجمع ، وتعدّد درجات المحاكم حسب المصلحة الزمنية التي أصبحت تقتضي زيادة الاحتياط ، وقد ذكرنا كيفية ذلك في بحوثنا الفقهية. (٢)
ثمّ إنّ ما ذكرنا يرجع إلى دور الزمان والمكان في عملية الاجتهاد والإفتاء ، وأمّا دورهما في الأحكام الحكومية التي تدور مدار المصالح والمفاسد وليست من قبيل الأحكام الواقعية ولا الظاهرية فلها باب واسع ، وقد استوفينا الكلام في ذلك في رسالة مخصوصة. (٣)
__________________
(١). نهج البلاغة ، قسم الحكم ، رقم ١٦.
(٢). انظر «نظام القضاء في الشريعة الإسلامية الغرّاء» للمؤلف حيث ذكرنا انّ تعدد درجات المحاكم لا ينافي كون القضاء الأوّل لازم الإجراء.
(٣). رسالة تأثير الزمان والمكان في الاجتهاد المطبوعة مع رسالة البلوغ.