وهؤلاء الذين أرجع إليهم الإمام (عليهالسلام) كانوا في الطبقة الأُولى من الفقهاء ، ولم يكونوا من الرواة الّذين لا شغل لهم إلّا نقل النصوص ، غاية الأمر كانوا يفتون بلفظ النص بعد الإحاطة بجميع النصوص ، وتطبيق الأُصول على الفروع.
وأمّا الآيات الذامّة للتقليد (١) فهي بصدد ذم رجوع الجاهل إلى الجاهل بداعي العصبية لا بما أنّه من أصحاب البصيرة والتدبّر ، فأين هذا من رجوع العاميّ إلى العالم بداعي أنّه من أهل الخبرة في مجال الدين؟!
المسألة الثالثة : في وجوب تقليد الأعلم
إذا اختلف الأحياء في العلم والفضيلة ، فمع علم المقلّد باختلافهم على وجه التفصيل أو الإجمال أو شكّه ، فهل يجب الأخذ بفتوى الفاضل ، أو يجوز العمل بفتوى المفضول أيضاً؟ قولان ، ولنذكر صور المسألة :
الصورة الأُولى : إذا علم العامّي موافقة الأعلم لغيره في الفتوى بتفاصيلها.
الصورة الثانية : إذا علم مخالفتهما في الفتوى تفصيلاً.
الصورة الثالثة : إذا علم مخالفتهما إجمالاً.
الصورة الرابعة : إذا شكّ في مخالفتهما فيها.
أمّا الصورة الأُولى ، فهي خارجة عن محل النزاع.
وأمّا الصورة الثانية : فحكمها تعيّن الرجوع إلى الأعلم لسيرة العقلاء ، ومن البعيد شمول كلمات القائلين بالجواز لهذه الصورة.
وأمّا الصورة الثالثة : فهي محل الكلام ، فذهب القاضي والحاجبي والعضدي إلى جواز تقليد المفضول ، مستدلّين بأنّ المفضولين باتفاق في زمان الصحابة
__________________
(١). كقوله سبحانه : (بَلْ قالُوا إِنّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمّة وَإنّا على آثارِهِمْ مُهْتَدُون) (الزخرف / ٢٢).