إذا عرفت هذا ، فاعلم أنّ الكلام يقع في مقامين :
المقام الأوّل : ما هي وظيفة العامي في تلك المسألة ، وهل يستقل عقله بالرجوع إلى الفاضل ، أو بالتخيير بينه وبين المفضول؟
المقام الثاني : ما هو مقتضى الأدلّة عند المجتهد ، فهل يستفاد منها لزوم الرجوع إلى الفاضل ، أو يستفاد التخيير؟
أمّا الأوّل : فلا شكّ أنّه لو تدبّر ، يستقل عقله بعدم جواز تقليد المفضول ، لأنّ قول الفاضل متيقن الحجّية دون المفضول ، فهو مشكوك الحجّية ، والاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني ، ولا يحصل إلّا بالعمل على رأي الفاضل.
نعم لو قلّد في تلك المسألة المجتهد الفاضل وأجاز تقليد المفضول ، جاز له تقليدُه ، لكنّه ليس تقليداً له ابتداء ، بل هو في الحقيقة تقليد للفاضل ، وبتقليده تُصْبِحُ فتاوى المفضول حجّة.
أمّا المقام الثاني : أعني ما هو مقتضى الأدلّة عند المجتهد ، فقد ذهب المشهور إلى أنّ مقتضى الأدلّة هو لزوم تقديم الفاضل ، وإليك أدلّتهم.
أدلّة القائلين بلزوم تقديم الفاضل
استدلّ القائلون بوجوه :
١. إنّ مقتضى الأصل الأوّلي هو عدم حجّية رأي أحد على آخر ، خرج منه متابعة الفاضل بالاتفاق ، وبقيت متابعة المفضول تحت عموم حرمة العمل بلا علم ، فالعمل بغيره يتوقف على دليل خاص.
فإن قلت : مقتضى الأصل الأوّلي هو التخيير لأنّ الأمر في المقام دائر بين التعيين والتخيير ، وبما أنّ في الأوّل مئونة زائدة ، تجري البراءة في تعيّن الفاضل.
قلت : إنّ دوران الأمر بين التعيين والتخيير على قسمين :