اختلاف الحكمين في الحبوة.
هذا كلّه إذا لم تكن فتوى المفضول مطابقة للاحتياط ، وفتوى الفاضل مخالفة له ، كما إذا أفتى الأوّل بنجاسة الغسالة والآخر بطهارتها ، أو أفتى الأوّل بوجوب التسبيحات الأربع ثلاثاً وأفتى الفاضل بوجوبها مرّة ، إذ يجوز حينئذ ترك قول الفاضل والأخذ برأي المفضول ، إلّا أنّ هذا في الحقيقة عمل بالاحتياط الوارد في فتوى المفضول دون الفاضل.
ما هو المراد من الأعلم؟
ليس اختلاف الفاضل والمفضول في زيادة العلم وقلّته وشدّته وضعفه ، بل المراد الأقوى ملكة ، أو الأكثر خبرة من غيره والأعرف بدقائق الفقه ومباني الاستنباط ، وتتركّز قوة الملكة وشدّتها على أمرين :
١. الذكاء المتوقّد والفهم القويم.
٢. كثرة الممارسة والتمرين بحيث يصير الفقه مخالطاً لفكره وذهنه وروحه ، فيكون أقوى استنباطاً ، وأدق نظراً في استنباط الأحكام من مبادئها ، وأعرف بالكبريات وكيفية تطبيقها على الصغريات بحدّة ذهنه وحسن سليقته.
لا يقال : إنّ تشخيص الأدق نظراً والأقوى استنباطاً من الأُمور الصعبة والعسيرة.
فانّه يقال ليس تشخيص الفاضل عن المفضول بأعسر من تشخيص أصل الاجتهاد ، وبما انّ لكل علم وفن رجالاً حاذقين يعرفون مراتب الرجال ومواهبهم وصلاحياتهم ، فيميزون المجتهد عن غيره والفاضل عن المفضول ، وقد قيل : من دق باباً ولجَّ ولج.
وأمّا الصورة الرابعة ، أعني : إذا شكّ في مخالفتهما في الفتوى ، فهل يجوز