وبعبارة أُخرى : كما للآيات أسباب وشأن نزول ، فهكذا الروايات لها أسباب صدور فهي تعبِّر عن سيرة قضاة العامة وفقهائهم كأبي حنيفة وابن شبرمة وأضرابهم الذين أعرضوا عن أئمّة أهل البيت (عليهمالسلام) ولم ينيخوا مطاياهم على أبواب أئمّة أهل البيت (عليهمالسلام) فيخاطبهم الإمام بما في هذه الروايات.
وأمّا فقهاء الشيعة الذين رجعوا في كلّ واقعة إلى الكتاب والسنّة وتمسّكوا بالثقلين فلا تعمّهم ، والمورد (صدورها في مورد فقهاء العامة) وإن لم يكن مخصصاً لكن يمكن إلغاء الخصوصية بالنسبة إلى المماثل والمشابه لا المباين ، وتمسّك أصحابنا بالعقل في مجالات خاصة لا يعدُّ إعراضاً عنهم بخلاف غيرهم.
وثانياً : إذا كان العقل أحد الحجج كما في صحيح هشام فيكون الحكم المستكشف ممّا وصل إلى المكلّف بتبليغ الحجّة أيضاً.
روى هشام عن أبي عبد الله (عليهالسلام) : «يا هشام إنّ لله على الناس حجّتين : حجّة ظاهرة ، وحجّة باطنة ؛ فالظاهرة الرسل والأنبياء والأئمّة ، وأمّا الباطنة فالعقول». (١) وهناك كلام للمحقّق القمي نتبرّك بذكره ختاماً للبحث ، قال : «
إنّ انحصار الطاعة والمخالفة في موافقة الخطاب اللفظي ومخالفته ، دعوى بلا دليل ، بل هما موافقة طلب الشارع ومخالفته وإن كان الطلب بلسان العقل ، ونظير ذلك أنّ الله تعالى إذا كلّف نبيّه بواسطة إلهام من دون نزول وحي من جبرئيل (عليهالسلام) وإتيان كلام ، وامتثله النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) فيقال إنّه أطاع الله جزماً ، والعقل فينا نظير الإلهام فيه.
__________________
(١). لاحظ الكافي : ٦٠ / ١ ، باب الرد إلى الكتاب والسنة ، الحديث ٦ ؛ وأيضاً ص ٥٦ باب البدع والرأي والمقاييس ، الحديث ٧.