موقف أهل السنّة من الإجماع المحصَّل
إذا اتّفق المجتهدون من أُمّة محمّد (صلىاللهعليهوآلهوسلم) في عصر من العصور على حكم شرعي ، يكون المجمع عليه حكماً شرعياً واقعياً عند أهل السنّة ولا تجوز مخالفته ، وليس معنى ذلك انّ إجماعهم على حكم من تلقاء أنفسهم يجعله حكماً شرعياً ، بل يجب أن يكون إجماعهم مستنداً إلى دليل شرعي قطعي أو ظنّي ، كالخبر الواحد والمصالح المرسلة والقياس والاستحسان.
فلو كان المستند دليلاً قطعياً من قرآن أو سنّة متواترة يكون الإجماع مؤيداً ومعاضداً له ؛ ولو كان دليلاً ظنياً كما مثلناه ، فيرتقي الحكم حينئذ بالإجماع من مرتبة الظن إلى مرتبة القطع واليقين.
ومثله ما إذا كان المستند هو المصلحة أو دفع المفسدة ، فالاتّفاق على حكم شرعي استناداً إلى ذلك الدليل يجعله حكماً شرعياً قطعياً ، كزيادة أذان لصلاة الجمعة في عهد عثمان لإعلام الناس بالصلاة كي لا تفوتهم ، حتى صار الأذان الآخر عملاً شرعياً إلهياً وإن لم ينزل به الوحي. (١)
وعلى ذلك فقد أعطى سبحانه للإجماع واتّفاق الأُمّة منزلة كبيرة على وجه إذا اتّفقوا على أمر ، يُصبح المجمع عليه حكماً شرعياً قطعياً كالحكم الوارد في القرآن والسنّة النبويّة ، ولذلك قلنا بأنّ الإجماع عندهم من مصادر التشريع.
ثمّ إنّهم استدلّوا على ما راموه بوجوه :
منها : قوله سبحانه :(وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً). (٢)
وجه الاستدلال انّه سبحانه ابتدأ كلامه بجملتين شرطيّتين :
__________________
(١). الوجيز في أُصول الفقه لابن وهبة : ٤٩.
(٢). النساء : ١١٥.