استلهاماً من تلك السيرة العقلائية التي ارتكزت في نفوسهم.
ولو كان العمل بأخبار الآحاد الثقات أمراً مرفوضاً لكان للنبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) والأئمّة المعصومين ، الردع القارع والطرد الصارم حتى يتنبه الغافل ويفهم الجاهل. كما تضافرت الروايات على ردّ القياس وسائر المقاييس الظنّية الدارجة بين أهل السنّة. فلو كان العمل بخبر الواحد على غرار العمل بالقياس لعمّه الردع من قبل أئمّة أهل البيت (عليهمالسلام) ، ولوصلت إلينا رواياتهم الناهية عن العمل بخبر الواحد ، وحيث إنّه لم يرد شيء من هذا القبيل ، دلّ ذلك على إمضائهم العمل بخبر الواحد.
وثمة نكتة أُخرى وهي انّ ما استدلّ به الأُصوليّون من الكتاب والسنّة على حجّية قول الثقة ليس في مقام تأسيس القاعدة واضفاء الحجية على قول الثقة ، بل الكلّ عند الدقة والإمعان ناظر إلى هذه السيرة العقلائية ، فلاحظ قول الراوي (عبد العزيز بن المهتدي ، والحسن بن علي بن يقطين) للإمام الرضا (عليهالسلام).
أفيونس بن عبد الرحمن ثقة ، آخذ عنه ما أحتاج إليه من معالم ديني؟ فقال : «نعم». (١)
كما يشير إليه قول أبي الحسن الثالث لأحمد بن إسحاق عند ما سأله بقوله من أُعامل؟ وعمّن آخذ؟ وقول من أقبل؟ فقال الإمام : «العمري ثقتي ، فما أدّى إليك عنّي فعنّي يؤدّي ، وما قال لك عنّي ، فعنّي يقول ، فاسمع له ، وأطع فإنّه الثقة المأمون». (٢)
فإنّ الحوار الدائر بين الراوي والإمام حاك عن أنّ الكبرى (حجّية قول الثقة) كان أمراً مسلّماً بينهما ، وإنّما الكلام في الموارد والمصاديق ، فقال الإمام انّ
__________________
(١). الوسائل : ١٨ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٣٣ ، ٣٤.
(٢). الوسائل : ١٨ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٤.