الأمر السابع : السبب من وراء العمل بالقياس
ظهر القول بالقياس بعد رحيل النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) لمواجهة الأحداث الجديدة ، وكان هناك اختلاف حادّ بين الصحابة في الأخذ به ، ولو توفّرت بأيديهم نصوص فيها لما حاموا حول القياس ، ولكن إعواز النصوص جرّهم إلى العمل بالقياس لأجل معالجة المشاكل العالقة والمسائل المستحدثة ، وقد نقل ابن خلدون عن أبي حنيفة أنّه لم يصح عنده من أحاديث الرسول إلّا سبعة عشر حديثاً. (١) فإذا كان الصحيح عنده هذا المقدار اليسير فكيف يقوم باستنباط الأحكام من الكتاب والسنّة؟! فلم يكن له محيص إلّا اللجوء إلى القياس والاستحسان.
فأئمّة أهل البيت (عليهمالسلام) ولفيف من الصحابة والتابعين رفضوه وأكثروا من ذمِّه ، والشيعة عن بكرة أبيهم تبعاً للنبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) وأهل بيته أبطلوا العمل بالقياس ، ووافقهم من الفقهاء داود بن خلف ، إمام أهل الظاهر ، وتبعه ابن حزم الأندلسي ، فلم يقيموا له وزناً ، وأوّل من توسّع في القياس هو أبو حنيفة شيخ أهل القياس ، وتبعه مالك ، وابن حنبل.
وقد عقد شيخنا الحرّ العاملي في وسائله باباً خاصاً ، أسماه باب «عدم جواز القضاء والحكم بالمقاييس» ونقل فيه ما يربو على عشرين حديثاً في النهي عن العمل بالقياس.
ومما نقل فيه انّ أبا حنيفة دخل على أبي عبد الله (عليهالسلام) ، فقال له : «يا أبا حنيفة بلغني أنّك تقيس».
قال : نعم ، قال : «لا تقس فانّ أوّل من قاس هو إبليس». (٢) فقد قاس نفسه
__________________
(١). مقدمة ابن خلدون : ٤٤٤ ، الفصل السادس في علوم الحديث. نعم الحنفية ينكرون هذه النسبة إلى إمامهم.
(٢). الوسائل : الجزء ١٨ ، الباب ٦ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٤.