اعلم أنّه إذا نصّ الشارع على حكم ولم ينصّ على علّته ومناطه ، فهل للمجتهد التوصّل إلى معرفة ذلك الحكم عن طريق السبر والتقسيم بأن يُحصر الأوصاف التي توجد في واقعة الحكم ، وتصلح لأن تكون العلّة ، واحدة منها ، ويختبرها وصفاً وصفاً ، وبواسطة هذا الاختبار تُستبعد الأوصاف التي لا يصحّ أن تكون علّة ، ويستبقي ما يصحّ أن يكون علة ، وبهذا الاستبعاد وهذا الاستبقاء يتوصل إلى الحكم بأنّ هذا الوصف هو العلّة؟
ولكن في هذا النوع من تحليل المناط إشكالات واضحة مع غض النظر عن النهي الوارد في العمل بالقياس :
أوّلاً : نحتمل أن تكون العلّة عند الله غير ما ظنّه بالقياس ، فمن أين نعلم بأنّ العلّة عندنا وعنده واحدة؟
ثانياً : لو افترضنا أنّ المُقيس أصاب في أصل التعليل ، ولكن من أين نعلم أنّها تمام العلّة ، لعلّها جزء العلّة وهناك جزء آخر منضمّ إليه في الواقع ولم يصل المُقيس إليه؟
ثالثاً : نحتمل أن تكون خصوصية المورد دخيلة في ثبوت الحكم ، مثلاً لو علمنا بأنّ الجهل بالثمن علّة موجبة شرعاً في فساد البيع ، ولكن نحتمل أن يكون الجهل بالثمن في خصوص البيع علّة ، فلا يصحّ لنا قياس النكاح عليه ، إذا كان المهر فيه مجهولاً ، فالعلّة هي الجهل بالثمن ، لا مطلق الجهل بالعوض حتى يشمل المهر ، ومع هذه الاحتمالات لا يمكن القطع بالمناط.
وقد ورد على لسان أئمّة أهل البيت (عليهمالسلام) النهي عن الخوض في تنقيح المناط ، ويشهد بذلك ما رواه أبان بن تغلب ، عن الإمام الصادق (عليهالسلام) يقول أبان :
قلت له : ما يكون في رجل قطع اصبعاً من أصابع المرأة ، كم فيها؟